إذ القول في الشرع قول المنكر ولو أقر الغاصب بما يدعى المغصوب منه وادعى الرد عليه لا يصدق الا ببينة لان الاقرار بالغصب اقرار بوجود سبب وجود الضمان منه فهو بقوله رددت عليك يدعى انفساخ السبب فلا يصدق من غير بينة وكذا لو ادعى الغاصب ان المغصوب منه هو الذي أحدث العيب في المغصوب لا يصدق الا ببينة لان الاقرار بوجود الغصب منه اقرار بوجود الغصب بجميع أجزائه في ضمانه فهو يدعى احداث العيب من المغصوب منه ويدعى خروج بعض اجزائه عن ضمانه فلا يصدق الا ببينة ولو أقام المغصوب منه البينة أنه غصب الدابة ونفقت عنده وأقام الغاصب البينة انه ردها إليه وانها نفقت عنده فلا ضمان عليه لان من الجائز ان شهود المغصوب منه اعتمدوا في شهادتهم على استصحاب الحال لما انهم علموا بالغصب وما علموا بالرد فبنوا الامر على ظاهر بقاء المغصوب في يد الغاصب إلى وقت الهلاك وشهود الغاصب اعتمدوا في شهادتهم بالرد حقيقة الامر وهو الرد لأنه أمر لم يكن فكانت الشهادة القائمة على الرد أولى كما في شهود الجرح مع شهود التزكية وروى عن أبي يوسف رحمه ان الغاصب ضامن والله تعالى أعلم ولو أقام المغصوب منه البينة أنه غصب منه هذا العبد ومات عنده وأقام الغاصب البينة ان العبد مات في يد مولاه قبل الغصب لم ينتفع بهذه الشهادة لان موته في يد مولاه قبل الغصب لا يتعلق به حكم فلم تقبل الشهادة عليه والتحقت بالعدم فيجب العمل بشهادة شهود المغصوب منه ولان من الجائز ان شهود الغاصب اعتمدوا استصحاب الحال وهو حال اليد التي كانت عليه للمولى لجواز انهم علموها ثابتة ولم يعلموا بالغصب وظنوا تلك اليد قائمة فاستصحبوها وشهود المغصوب منه اعتمدوا في شهادتهم تحقق الغصب فكانت شهادتهم أولى بالقبول ولو أقام المغصوب منه البينة ان الغاصب غصب هذا العبد يوم النحر بالكوفة وأقام الغاصب البينة انه كان يوم النحر بمكة هو والعبد فالضمان واجب على الغاصب لان بينة الغاصب لا يتعلق بها حكم فالتحقت بالعدم فبقيت بينة المغصوب منه بلا معارض فلزم العمل بها وقال محمد رحمه الله في الاملاء إذا أقام الغاصب البينة أنه مات في يد المغصوب منه وأقام المغصوب منه البينة أنه مات في يد الغاصب فالبينة بينة الغاصب لما ذكرنا ان بينته قامت على اثبات أمر لم يكن وهو الرد وبينة المغصوب منه قامت على ابقاء ما كان على ما كان وهو الغضب فكانت بينة الرد أولى والله سبحانه وتعالى أعلم ولو أقام المغصوب منه البينة ان الدابة نفقت عند الغاصب من ركوبه وأقام الغاصب البينة أنه ردها إليه فالبينة بينة المغصوب منه وعلى الغاصب القيمة لان بينة الغاصب لا تدفع بينة المغصوب منه لأنها قامت على رد المغصوب ومن الجائز أنه ردها ثم غصبها ثانيا وركبها فنفق في يده فأمكن الجمع بين البينتين وكذلك لو شهد شهود صاحب الدابة ان الغاصب قتلها وشهد شهود الغاصب أنه ردها إليه لما قلنا كما إذا قال رجل لآخر غصبنا منك ألفا ثم قال كنا عشرة قال أبو يوسف رحمه الله لا يصدق وقال زفر رحمه الله يصدق (وجه) قوله إن قوله غصبنا منك حقيقة للجمع والعمل بحقيقة اللفظ واجب وفى الحمل على الواحد ترك للعمل بالحقيقة فيصدق (وجه) قول أبى يوسف ان العمل بالحقيقة واجب ما أمكن وههنا لا يمكن لان قوله غصبنا اخبار عن وجود الغصب من جماعة مجهولين فلو عملنا بحقيقة لألغينا كلامه ولا شك ان العمل بالمجاز أولى من الالغاء والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما مسائل الاتلاف فالكلام فيها ان الاتلاف لا يخلو اما ان ورد على بني آدم واما ان ورد على غيرهم من البهائم والجمادات فان ورد على بني آدم فحكمه في النفس وما دونها نذكره في كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى وان ورد على غير بني آدم فإنه يوجب الضمان إذا استجمع شرائط الوجوب فيقع الكلام فيه في ثلاثة مواضع في بيان كونه سببا لوجوب الضمان وفي بيان شروط وجوب الضمان وفي بيان ماهية الضمان الواجب (أما) الأول فلا شك ان الاتلاف سبب لوجوب الضمان عند استجماع شرائط الوجوب لان اتلاف الشئ اخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة مطلوبة منه عادة وهذا اعتداء واضرار وقد قال الله سبحانه وتعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل
(١٦٤)