بأس أن يتناول الرجل ويدهن به نفسه ودابته لان الحاجة إلى الانتفاع بهذه الأشياء قبل الاحراز بدار الاسلام لازمة وما كان من الادهان لا يؤكل مثل البنفسج والخيري فلا ينبغي أن ينتفع به لان الانتفاع به ليس من الحاجات اللازمة بل من الحاجات الزائدة ولا ينبغي أن يبيعوا شيئا من الطعام والعلف وغير ذلك مما يباح الانتفاع به بذهب ولا فضة ولا عروض لأن اطلاق الانتفاع واسقاط اعتبار الحقوق والحاقها بالعدم للضرورة التي ذكرنا ولا ضرورة في البيع ولان محل البيع هو المال المملوك وهذا ليس بمال مملوك لان الاحراز بالدار شرط ثبوت الملك ولم يوجد فان باع رجل شيئا رد الثمن إلى الغنيمة لان الثمن بدل مال تعلق به حق الغانمين فكان مردودا إلى المغنم ولو أحرزوا شيئا من ذلك بدار الاسلام وهو في أيديهم وإن كانت لم تقسم الغنائم ردوها إلى المغنم لاندفاع الضرورة وإن كانت قد قسمت الغنيمة فإن كانوا أغنياء تصدقوا به على الفقراء وإن كانوا فقراء انتفعوا به لتعذر قسمته على الغزاة لكثرتهم وقلته فأشبه اللقطة والله سبحانه وأعلم هذا إذا كانت قائمة بعد القسمة فإن كان انتفع بها بعد القسمة فإن كان غنيا تصدق بقيمته على الفقراء لأنه أكل مالا لو كان قائما لكان سبيله التصدق لكونه مالا يتعلق به حق الغانمين وتعذر صرفه إليهم لقلته وكثرتهم فيقوم بدله مقامه وهو قيمته وإن كان فقيرا لم يجب عليه شئ لأنه أكل مالا لو كان قائما لكان له ان يأكله والله سبحانه وتعالى أعلم وأما ما سوى المأكول والمشروب والعلف والحطب فلا ينبغي أن ينتفعوا به لان حق الغانمين متعلق به وفى الانتفاع ابطال حقهم الا أنه إذا احتاج إلى استعمال شئ من السلاح أو الدواب أو الثياب فلا بأس باستعماله بأن انقطع سيفه فلا باس بأن يأخذ سيفا من الغنيمة فيقاتل به لكنه إذا استغنى عنه رده إلى المغنم وكذا إذا احتاج إلى ركوب فرس أو لبس ثوب إذا دفع حاجته بذلك رده إلى المغنم لان هذا موضع الضرورة أيضا لكن لا ثابت بالضرورة لا يتعدى محل الضرورة حتى أنه لو أراد أن يستعمل شيئا من ذلك وقاية لسلاحه ودوابه وثيابه وصيانة لها فلا ينبغي له ذلك لانعدام تحقق الضرورة وهكذا إذا ذبحوا البقر أو الغنم وأكلوا اللحم وردوا الجلود إلى المغنم لان الانتفاع به ليس من الحاجات اللازمة والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) بيان من ينتفع بالغنائم فنقول أنه لا ينتفع بها الا الغانمون فلا يجوز للتجار أن يأكلوا شيئا من الغنيمة الا بثمن لان سقوط اعتبار حق كل واحد من الغانمين في حق صاحبه لمكان الضرورة ولا يجوز اسقاط اعتبار الحقيقة من غير ضرورة ولا ضرورة في حق غيرهم وللغانمين أن يأكلوا ويطعموا عبيدهم ونساءهم وصبيانهم لان انفاق الرجل على هؤلاء انفاق على نفسه لان نفقتهم عليه والأصل أن كل من عليه نفقته فله أن يطعمه ومن لا فلا ولا يجوز لأجير الرجل للخدمة أن يأكل منه لان نفقته على نفسه لا عليه وللمرأة إذا دخلت دار الحرب لمداواة المرضى والجرحى أن تأكل وتعلف دابتها وتطعم رقيقها لأن المرأة تستحق الرضخ من الغنيمة فكانت من الغانمين والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) بيان كيفية قسمة الغنائم وبيان مصارفها فنقول وبالله التوفيق الغنائم تقسم على خمسة أسهم منها وهو خمس الغنيمة لأربابه وأربعة أخماسها للغانمين أما الخمس فالكلام فيه في بيان كيفية قسمة الخمس وفي بيان مصرفه فنقول لا خلاف في أن خمس الغنيمة في حال حياة النبي عليه الصلاة والسلام كان يقسم على خمسة أسهم سهم للنبي عليه الصلاة والسلام وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل قال الله تبارك وتعالى واعلموا إنما غنمتم من شئ فان لله خمسة وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وإضافة الخمس إلى الله تعالى يحتمل أن يكون لكونه مصروفا إلى وجوه القرب التي هي لله تبارك وتعالى وهي قوله سبحانه وتعالى وللرسول ولذي القربى الآية على ما تضاف المساجد والكعبة إلى الله سبحانه وتعالى لكونها مواضع إقامة العبادات والقرب التي هي لله تعال ويحتمل أن يكون تعظيما للخمس على ما هو الأصل في إضافة جزئية الأشياء إلى الله سبحانه وتعالى انها تخرج مخرج تعظيم المضاف كقوله ناقة الله وبيت الله ويحتمل أن يكون لخلوصه لله تعالى بخروجه عن تصرف الغانمين كقوله تعالى الملك يومئذ لله والملك في كل الأيام كلها لله تعالى لكن خص سبحانه وتعالى ذلك اليوم بالملك له
(١٢٤)