تجارة عن تراض منكم وبيع مال المديون عليه تجارة لا عن تراض فلا يجوز وبيع السفيه ماله تجارة عن تراض فيجوز وقوله سبحانه وتعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم عاما وشهادة الانسان على نفسه اقرار وقوله تبارك وتعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وقوله عليه الصلاة والسلام تهادوا تحابوا وآية الظهار وآية كفارة اليمين شرع الله تعالى هذه التصرفات عاما والحجر عن المشروع متناقض وكذا نص الظهار واليمين يقتضيان وجوب التحرير على المظاهر والحالف الحانث وجوازه عن الكفارة عاما وعند أبي يوسف ومحمد لا يجب التحرير على السفيه ولو حرر لا يجزيه عن الكفارة لأنه تجب السعاية على العبد فيكون اعتاقا بعوض فلا يقع التحرير تكفيرا فكانت الآية حجة عليهما ولان بيع السفيه مال نفسه تصرف صدر من الأهل بركنه في محل هو خالص ملكه فينفذ كتصرف الرشيد وهذا لان وجود التصرف حقيقة بوجود ركنه ووجوده شرعا بصدوره من أهله وحلوله في محله وقد وجد وبيع مال المديون عليه تصرف في ملك الغير من غير رضا المالك وانه لا ينفذ كالفضولي (وأما) الآية فقد قال بعض أهل التأويل السفيه هو الصغير وبه نقول وقيل إن الولي ههنا هو من له الحق يملى بالعدل عند حضرة من عليه الذين لئلا يزيد على ما عليه شيئا ولو زاد أنكر عليه وقوله تبارك وتعال ولا تؤتوا السفهاء أموالكم فقد قال بعض أهل التأويل المراد من السفهاء النساء والأولاد الصغار يؤيده في سياق الآية قوله فارزقوهم منه واكسوهم ورزق النساء والأولاد الصغار هو الذي يجب على الأولياء والأزواج لأزرق السفيه وكسوته فان ذلك يكون من مال السفيه على أن في الآية الشريفة أن لا تؤتوهم مال أنفسكم لأنه سبحانه وتعالى أضاف الأموال إلى المعطى لا إلى المعطى له وبه نقول (وأما) بيع مال معاذ رضي الله عنه فقد كان برضاه إذ لا يضمن به انه يكره بيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتمنع بنفسه عن قضاء الدين مع ما أنه قد روى أنه طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبيع ماله لينال بركته فيصير دينه مقضيا ببركته كما روى عن جابر رضي الله عنه انه لما استشهد أبوه يوم أحد وترك ديونا فطلب جابر من النبي عليه الصلاة والسلام ان يبيع أمواله لينال بركته فيصير دينه بذلك مقضيا وكان كما ظن الاستدلال بمنع المال إذا بلغ سفيها لا يستقيم لان المنع تصرف في المال والحجر تصرف على النفس والنفس أعظم خطرا من المال فثبوت أدنى الولايتين لا يدل على ثبوت أعلاهما ثم نقول إنما يمنع عن ماله نظرا له تقليلا للسفه لما أن السفه غالبا يجرى في الهبات والتبرعات فإذا منع منه ماله ينسد باب السفه فيقل السفه (فاما) المعاوضات فلا يغلب فيها السفه فلا حاجة إلى الحجر لتقليل السفه وانه يقل بدونه فيتمحض الحجر ضررا بابطال أهليته وهذا لا يجوز بخلاف الصبي والمجنون لأنهما ليسا من أهل التصرف فلم يتضمن الحجر ابطال الأهلية والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما بيان حكم الحجر فحكمه يظهر في مال المحجور وفى التصرف في ماله (أما) حكم المال فاما المجنون فإنه يمنع عنه ماله ما دام مجنونا وكذلك الصبي الذي لا يعقل لان وضع المال في يد من لا عقل له اتلاف المال (وأما) الصبي العاقل فيمنع عنه ماله إلى أن يؤنس منه رشده ولا بأس للولي أن يدفع إليه شيئا من أمواله ويأذن له بالتجارة للاختيار عندنا لقوله تعالى وابتلوا اليتامى أذن سبحانه وتعالى للأولياء في ابتلاء اليتامى والابتلاء الاختبار وذلك بالتجارة فكان الاذن بالابتلاء اذنا بالتجارة وإذا اختبره فان آنس منه رشدا دفع الباقي إليه لقوله تعالى فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم والرشد هو الاستقامة والاهتداء في حفظ المال واصلاحه وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله يمنع منه ماله ولا يجوز للولي أن يدفعه شيئا من أمواله إليه وأن يأذن له بالتجارة قبل البلوغ والمسألة نذكرها في كتاب المأذون إن شاء الله تعالى وان لم يأنس منه رشدا منعه منه إلى أن يبلغ فان بلغ رشيدا دفع إليه وان بلغ سفيها مفسدا مبذرا فإنه يمنع عنه ماله إلى خمس وعشرين سنة بالاجماع فإذا بلغ هذا المبلغ ولم يؤنس رشده دفع إليه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما لا يدفع إليه ما دام سفيها (وأما) الرقيق فلا مال له يمنع فلا يظهر أثر الحجر في حقه في المال وإنما يظهر في التصرفات هذا حكم الحجر في مال المحجور (وأما) حكمه في تصرفه فالتصرف لا يخلو اما أن يكون من
(١٧٠)