الصلاة والسلام أنه قال لا وصية لوارث والكتاب العزيز قد ينسخ بالسنة افان قيل إنما ينسخ الكتاب عندكم بالسنة المتواترة وهذا من الآحاد فالجواب ان هذا الحديث متواتر غير أن التواتر ضربان تواتر من حيث الرواية وهو ان يرويه جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب وتواتر من حيث ظهور العمل به قرنا فقرنا من غير ظهور المنع والنكير عليهم في العمل به الا انهم ما رووه على التواتر لان ظهور العمل به أغناهم عن روايته وقد ظهر العمل بهذا مع ظهور القول أيضا من الأئمة بالفتوى به بلا تنازع منهم ومثله يوجب العمل قطعا فيجوز نسخ الكتاب العزيز به كما يجوز بالمتواتر في الرواية الا انهما يفترقان من وجه وهو ان جاحد المتواتر في الرواية يكفر وجاحد المتواتر في ظهور العمل لا يكفر لمعنى عرف في أصول الفقه وقال بعض العلماء نسختها آية المواريث وفى الحديث ما يدل عليه فإنه عليه الصلاة والسلام قال إن الله تبارك وتعالى أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وقوله كل ذي حق حقه أي كل حقه فقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن الميراث الذي أعطى للوارث كل حقه فيدل على ارتفاع الوصية وتحول حقه من الوصية إلى الميراث وإذا تحول فلا يبقى له حق له في الوصية كالقبلة لما تحولت من بيت المقدس إلى الكعبة لم يبق ببيت المقدس قبلة وكالدين إذا تحول من ذمة إلى ذمة لا يبقى في الذمة الأولى وكما في الحوالة الحقيقية وقال بعضهم الوصية بقيت واجبة للوالدين والأقربين غير الوارثين بسبب الكفر والرق والآية وإن كانت عامة في المخرج لكن خص منها الوالدان والأقربون الوارثون بالحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام لا وصية لوارث فكان الحديث مخصصا لعموم الكتاب لا ناسخا والحمل على التخصيص أولى من الحمل على النسخ الا ان عامة أهل التأويل قالوا إن الوصية في الابتداء كانت فريضة للوالدين والأقربين المسلمين ثم نسخت بحديث أبى قلابة وقال بعضهم إن كان عليه حج أو زكاة أو كفارة أو غير ذلك من الواجبات فالوصية بذلك واجبة وان لم يكن فهي غير واجبة بل جائزة وبه أخذ الفقيه أبو الليث (وأما) الكلام في الاستحباب فقد قالوا إن كان ماله قليلا وله ورثة فقراء فالأفضل أن لا يوصى لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سعد رضى الله تعالى عنه انك ان تركت ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ولان الوصية في هذه الحالة تكون صلة بالأجانب والترك يكون صلة بالأقارب فكان أولى وإن كان ماله كثيرا فإن كانت ورثته فقراء فالأفضل أن يوصى بما دون الثلث ويترك المال لورثته لان غنية الورثة تحصل بما زاد على الثلث إذا كان المال كثيرا ولا تحصل عند قلته والوصية بالخمس أفضل من الوصية بالربع والوصية بالربع أفضل من الوصية بالثلث لما روى عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال لان أوصى بالخمس أحب إلى من أن أوصى بالربع ولان أوصى بالربع أحب إلى من أن أوصى بالثلث ومن أوصى بالثلث لم يترك شيئا أي لم يترك من حقه شيئا لورثته لان الثلث حقه فإذا أوصى بالثلث فلم يترك من حقه شيئا لهم وروى عن سيدنا أبى بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان رضى الله تعالى عنهم انهم قالوا الخمس اقتصاد والربع جهد والثلث حيف وإن كان ورثته أغنياء فالأفضل الوصية بالثلث ثم الوصية بالثلث لأقاربه الذين لا يرثون أفضل من الوصية به للأجانب والوصية للقريب المعادي أفضل من الوصية للقريب الموالي لان الصدقة على المعادي تكون أقرب إلى الاخلاص وأبعد عن الرياء ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام لذلك اشترى عبدا فاعتقه فان شكرك فهو خير له وشر لك وان كفرك فهو شر له وخير لك ولان الوصية للمعادي سبب لزوال العداوة وصيانة للقرابة عن القطيعة فكانت أولى هذا إذا استوى الفريقان في الفضل والدين والحاجة وأحدهما معادي (فاما) إذا كان الموالي منهما اعفهما وأصلحهما وأحوجهما فالوصية له أفضل لان الوصية له تقع إعانة على طاعة الله تبارك وتعالى * (فصل) * وأما ركن الوصية فقد اختلف فيه قال أصحابنا الثلاثة رحمهم الله هو الايجاب والقبول الايجاب من الموصى والقبول من الموصى له فما لم يوجدا جميعا لا يتم الركن وان شئت قلت ركن الوصية الايجاب من الموصى وعدم الرد من الموصى له وهو ان يقع اليأس عن رده وهذا أسهل لتخريج المسائل على ما نذكر وقال زفر رحمهم الله الركن هو
(٣٣١)