فالملك وأهل مملكته على موادعتهم لانعدام دلالة النقض في حقهم ولكن ينتقض العهد فيما بين القطاع حتى يباح قتلهم واسترقاقهم لوجود دليل النقض منهم وإن كان موقتا بوقت معلوم ينتهى العهد بانتهاء الوقت من غير الحاجة إلى النبذ حتى كان للمسلمين أن يغزوا عليهم لأن العقد المؤقت إلى غاية ينتهى بانتهاء الغاية من غير الحاجة إلى الناقض ولو كان واحد منهم دخل الاسلام بالموادعة المؤقتة فمضى الوقت وهو في دار الاسلام فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه لان التعرض له يوهم الغدر والتعزير فيجب التحرز عنه ما أمكن والله تعالى أعلم (وأما) الأمان المؤبد فهو المسمى بعقد الذمة والكلام فيه في مواضع في بيان ركن العقد وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم العقد وفي بيان صفة العقد وفي بيان ما يؤخذ به أهل الذمة وما يتعرض له وما لا يتعرض له (أما) ركن العقد فهو نوعان نص ودلالة (أما) النص فهو لفظ يدل عليه وهو لفظ العهد والعقد على وجه مخصوص (وأما) الدلالة فهي فعل يدل على قبول الجزية نحو أن يدخل حربي في دار الاسلام بأمان فان أقام بها سنة بعد ما تقدم إليه في أن يخرج أو يكون ذميا والأصل أن الحربي إذا دخل دار الاسلام بأمان ينبغي للامام أن يتقدم إليه فيضرب له مدة معلومة على حسب ما يقتضى رأيه ويقول له ان جاوزت المدة جعلتك من أهل الذمة فإذا جاوزها صار ذميا لأنه لما قال له ذلك فلم يخرج حتى مضت المدة فقد رضى بصيرورته ذميا فإذا أقام سنة من يوم قال له الامام أخذ منه الجزية ولا يتركه يرجع إلى وطنه قبل ذلك وان خرج بعد تمام السنة فلا سبيل عليه ولو قال الامام عند الدخول ادخل ولا تمكث سنة فمكث سنة صار ذميا ولا يمكن من الرجوع إلى وطنه لما قلنا ولو اشترى المستأمن أرضا خراجية فإذا وضع عليه الخراج صار ذميا لان وظيفة الخراج يختص بالمقام في دار الاسلام فإذا قبلها فقد رضى بكونه من أهل دار الاسلام فيصير ذميا ولو باعها قبل أن يجبى خراجها لا يصير ذميا لان دليل قبول الذمة وجوب الخراج لا نفس الشراء فما لم يوضع عليه الخراج لا يصير ذميا ولو استأجر أرضا خراجية فزرعها لم يصر ذميا لان الخراج على الآجر دون المستأجر فلا يدل على التزام الذمة الا إذا كان خراج مقاسمة فإذا أخرجت الأرض وأخذ الامام الخراج من الخارج وضع عليه الجزية وجعله ذميا ولو اشترى المستأمن أرض المقاسمة وأجرها من رجل من المسلمين فاخذ الامام الخراج من ذلك لا يصير المستأمن ذميا لما بينا أن نفس الشراء لا يدل على الالتزام بل دليل الالتزام هو وجوب الخراج عليه ولم يجب ولو اشترى الحربي المستأمن من أرض خراج فزرعها فأخرجت زرعا فأصاب الزرع آفة أنه لا يصير ذميا لأنه إذا أصاب الزرع آفة لم يجب الخراج فصار كأنه لم يزرعها فبقي نفس الشراء وأنه لا يصلح دليل قبول الذمة ولو وجب على المستأمن الخراج في أقل من سنة منذ يوم ملكها صار ذميا حين وجوب الخراج ويؤخذ منه خراج رأسه بعد سنة مستقبلة لأنه بوجوب خراج الأرض صار ذميا كان عقد الذمة نصا فيعتبر ابتداء العقد من حين وجوب الخراج فيؤخذ خراج الرأس بعد تمام السنة من ذلك الوقت ولو تزوجت الحربية المستأمنة في دار الاسلام ذميا صارت ذمية ولو تزوج الحربي المستأمن في دار الاسلام ذمية لم يصر ذميا (ووجه) الفرق ان المرأة تابعة لزوجها فإذا تزوجت بذمي فقد رضيت بالمقام في دارنا فصارت ذمية تبعا لزوجها فأما الزوج فليس بتابع للمرأة فلا يكون تزوجه إياها دليل الرضا بالمقام في دارنا فلا يصير ذميا والله تعالى أعلم (وأما) شرائط الركن فأنواع (منها) أن لا يكون المعاهد من مشركي العرب فإنه لا يقبل منهم الا الاسلام أو السيف لقوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلى قوله تعالى فخلوا سبيلهم أمر سبحانه وتعالى بقتل المشركين ولم يأمر بتخلية سبيلهم الا عند توبتهم وهي الاسلام ويجوز عقد الذمة مع أهل الكتاب لقول الله تبارك وتعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله تعالى من الذين أوتوا الكتاب الآية وسواء كانوا من العرب أو من العجم لعموم النص ويجوز مع المجوس لأنهم ملحقون بأهل الكتاب في حق الجزية لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في المجوس سنوا بهم سنة أهل الكتاب وكذلك فعل سيدنا عمر رضي الله عنه بسواد العراق وضرب الجزية على جماجمهم والخراج على أراضيهم ثم وجه الفرق بين مشركي العرب وغيرهم من أهل الكتاب ومشركي
(١١٠)