عن الزنا والحرية شرط ودلت هذه الآية على أن المراد من المحصنات في هذه الآية الحرائر لا العفائف لأنه سبحانه وتعالى جمع في هذه الآية بين المحصنات والغافلات في الذكر والغافلات العفائف فلو أريد بالمحصنات العفائف لكان تكرارا ولان الحد إنما يجب لدفع العار عن المقذوف ومن لا عفة له عن الزنا لا يلحقه العار بالقذف بالزنا وكذا قوله عليه الصلاة والسلام من أشرك بالله فليس بمحصن يدل على أن الاسلام شرط ولان الحد إنما وجب بالقذف دفعا لعار الزنا عن المقذوف وما في الكافر من عار الكفر أعظم والله سبحانه وتعالى أعلم ثم تفسير العفة عن الزنا هو ان لم يكن المقذوف وطئ في عمره وطأ حراما في غير ملك ولا نكاح أصلا ولا في نكاح فاسد فسادا مجمعا عليه في السلف فإن كان فعل سقطت عفته سواء كان الوطئ زنا موجبا للحد أو لم يكن بعد أن يكون على الوصف الذي ذكرنا وإن كان وطئ وطأ حراما لكن في الملك أو النكاح حقيقة أو في نكاح فاسد لكن فسادا هو محل الاجتهاد لا تسقط عفته وبيان هذه الجملة في مسائل إذا وطئ امرأة بشبهة بان زفت إليه غير امرأته فوطئها سقطت عفته لوجود الوطئ الحرام في غير ملك ولا نكاح أصلا الا أنه لم يجب الحد لقيام الدليل المبيح من حيث الظاهر على ما ذكرنا فيما تقدم وكذلك إذا وطئ جارية مشتركة بينه وبين غيره لان الوطئ يصادف كل الجارية وكلها ليس ملكه فيصادف ملك الغير لا محالة فكان الفعل زنا من وجه لكن درئ الحد للشبهة وكذلك إذا وطئ جارية أبويه أو زوجته أو جارية اشتراها وهو يعلم أنها لغير البائع ثم استحقت لما قلنا وكذلك لو وطئ جارية ابنه فاعلقها أو لم يعلقها لوجود الوطئ المحرم في غير ملك حقيقة ولو وطئ الحائض أو النفساء أو الصائمة أو المحرمة أو الحرة التي ظاهر منها أو الأمة المزوجة لم تسقط عفته لقيام الملك أو النكاح حقيقة وانه محلل الا انه منع من الوطئ لغيره وكذا إذا وطئ مكاتبته في قولهما واحدى الروايتين عن أبي يوسف وفى رواية أخرى عنه وهو قول زفر تسقط عفته (وجه) قولهما ان هذا وطئ حصل في غير الملك لان عقد الكتابة أوجب زوال الملك في حق الوطئ ألا ترى أنه لا يباح له أن يطأها وكذا المهر يكون لها لا للمولى وهذا دليل زوال الملك في حق الوطئ ولنا ان الوطئ يصادف الذات وملك الذات قائم بعد الكتابة فكان الملك المحلل قائما وإنما الزائل ملك اليد فمنع من الوطئ لما فيه من استرداد يدها على نفسها فأشبهت الجارية المزوجة ولو تزوج معتدة الغير أو منكوحة الغير أو مجوسية أو أخته من الرضاع سقطت عفته سواء علم أو لم يعلم في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما إذا كان لا يعلم لا تسقط (وجه) قولهما أنه إذا لم يعلم لا يكون الوطئ حراما بدليل انه لا يأثم ولو كان حراما لاثم وإذا لم يكن حراما لم تسقط العفة ولأبي حنيفة رحمه الله ان حرمة الوطئ ههنا ثابتة بالاجماع الا ان الاثم منتف والاثم ليس من لوازم الحرمة على ما عرف وإذا كانت الحرمة ثابتة بيقين سقطت العفة ولو قبل امرأة بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة ثم تزوج بابنتها فوطئها أو تزوج بأمها فوطئها لا تسقط عفته في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما تسقط (وجه) قولهما ان التقبيل أو النظر أوجب حرمة المصاهرة وانها حرمة مؤبدة فتسقط العصمة كحرمة الرحم المحرم ولأبي حنيفة رحمه الله ان هذه الحرمة ليست مجمعا عليها بل هي محل الاجتهاد في السلف فلا تسقط العفة فاما إذا تزوج امرأة فوطئها ثم تزوج ابنتها أو أمها فوطئها سقطت عفته بالاجماع لان هذا النكاح مجمع على فساده فلم يكن محل الاجتهاد ولو تزوج امرأة بغير شهوة فوطئها سقطت عفته لان فساد هذا النكاح مجمع عليه لا اختلاف فيه في السلف إذ لا يعرف الخلاف فيه بين الصحابة فلا يعتد بخلاف مالك فيه ولو تزوج أمة وحرة في عقدة واحدة فوطئهما أو تزوج أمة على حرة فوطئهما لم تسقط عفته لان فساد هذا النكاح ليس مجمعا عليه في السلف بل هو محل الاجتهاد فالوطئ فيه لا يوجب سقوط العفة ولو تزوج ذمي امرأة ذات رحم محرم منه ثم أسلم فقذفه رجل إن كان قد دخل بها بعد الاسلام سقطت عفته بالاجماع وإن كان الدخول في حال الكفر لم تسقط في قول أبي حنيفة وعندهما تسقط هكذا ذكر الكرخي وذكر محمد رحمه الله في الأصل انه يشترط احصانه ولم يذكر الخلاف وهو الصحيح لان هذا النكاح مجمع على فساده وإنما سقط الحد على أصل أبي حنيفة عليه الرحمة لنوع شبهة والله سبحانه وتعالى أعلم ولا حد على من قذف امرأة محدودة
(٤١)