لظهور الاسلام أو الكفر فيها كما تسمى الجنة دار السلام والنار دار البوار لوجود السلامة في الجنة والبوار في النار وظهور الاسلام والكفر بظهور أحكامهما فإذا ظهر أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر فصحت الإضافة ولهذا صارت الدار دار الاسلام بظهور أحكام الاسلام فيها من غير شريطة أخرى فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها والله سبحانه وتعالى أعلم (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله ان المقصود من إضافة الدار إلى الاسلام والكفر ليس هو عين الاسلام والكفر وإنما المقصود هو الامن والخوف ومعناه ان الأمان إن كان للمسلمين فيها على الاطلاق والخوف للكفرة على الاطلاق فهي دار الاسلام وإن كان الأمان فيها للكفرة على الاطلاق والخوف للمسلمين على الاطلاق فهي دار الكفر والأحكام مبنية على الأمان والخوف لا على الاسلام والكفر فكان اعتبار الأمان والخوف أولى فما لم تقع الحاجة للمسلمين إلى الاستئمان بقي الامن الثابت فيها على الاطلاق فلا تصير دار الكفر وكذا الا من الثابت على الاطلاق لا يزول الا بالمتاخمة لدار الحرب فتوقف صيروتها دار الحرب على وجودهما مع ما ان إضافة الدار إلى الاسلام احتمل أن يكون لما قلتم واحتمل أن يكون لما قلنا وهو ثبوت الامن فيها على الاطلاق للمسلمين وإنما يثبت للكفرة بعارض الذمة والاستئمان فإن كانت الإضافة لما قلتم تصير دار الكفر بما قلتم وإن كانت الإضافة لما قلنا لا تصير دار الكفر الا بما قلنا فلا تصير ما به دار الاسلام بيقين دار الكفر بالشك والاحتمال على الأصل المعهود ان الثابت بيقين لا يزول بالشك والاحتمال بخلاف دار الكفر حيث تصير دار الاسلام لظهور أحكام الاسلام فيها لان هناك الترجيح لجانب الاسلام لقوله عليه الصلاة والسلام الاسلام يعلو ولا يعلى فزال الشك على أن الإضافة إن كانت باعتبار ظهور الأحكام لكن لا تظهر أحكام الكفر الا عند وجود هذين الشرطين أعنى المتاخمة وزوال الأمان الأول لأنها لا تظهر الا بالمنعة ولا منعة الا بهما والله سبحانه وتعالى أعلم وقياس هذا الاختلاف في أرض لأهل الاسلام ظهر عليها المشركون وأظهروا فيها أحكام الكفر أو كان أهلها أهل ذمة فنقضوا الذمة وأظهروا أحكام الشرك هل تصير دار الحرب فهو على ما ذكرنا من الاختلاف فإذا صارت دار الحرب فحكمها إذا ظهرنا عليها وحكم سائر دور الحرب سواء وقد ذكرناه ولو فتحها الامام ثم جاء أربابها فإن كان قبل القسمة أخذوا بغير شئ وإن كان بعد القسمة أخذوا بالقيمة ان شاؤوا لما ذكرنا من قبل وعاد المأخوذ على حكمه الأول الخراجى عاد خراجيا والعشري عاد عشريا لان هذا ليس استحداث الملك بل هو عود قديم الملك إليه فيعود بوظيفته الا إذا كان الامام وضع عليها الخراج قبل ذلك فلا يعود عشريا لان تصرف الامام مصدر عن ولاية شرعية فلا يحتمل النقض والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما الأحكام التي تختلف باختلاف الدارين فأنواع منها ان المسلم إذا زنا في دار الحرب أو سرق أو شرب الخمر أو قذف مسلما لا يؤخذ بشئ من ذلك لان الامام لا يقدر عليه إقامة الحدود في دار الحرب لعدم الولاية ولو فعل شيئا من ذلك ثم رجع إلى دار الاسلام لا يقام عليه الحد أيضا لان الفعل لم يقع موجبا أصلا ولو فعل في دار الاسلام ثم هرب إلى دار الحرب يؤخذ به لان الفعل وقع موجبا للإقامة فلا يسقط بالهرب إلى دار الحرب وكذلك إذا قتل مسلما لا يؤخذ بالقصاص وإن كان عمدا لتعذر الاستيفاء الا بالمنعة إذ الواحد يقاوم الواحد والمنعة منعدمة ولان كونه في دار الحرب أورث شبهة في الوجوب والقصاص لا يجب مع الشبهة ويضمن الدية خطأ كان أو عمدا وتكون في ماله لا على العاقلة لان الدية تجب على القاتل ابتداء أو لان القتل وجد منه ولهذا وجب القصاص والكفارة على القاتل لا على غيره فكذا الدية تجب عليه ابتداء وهو الصحيح ثم العاقلة تتحمل عنه بطريق التعاون لما يصل إليه بحياته من المنافع من النصرة والعز والشرف بكثرة العشائر والبر والاحسان لهم ونحو ذلك وهذه المعاني لا تحصل عند اختلاف الدارين فلا تتحمل عنه العاقلة وكذلك لو كان أميرا على سرية أو أمير جيش وزنا رجل منهم أو سرق أو شرب الخمر أو قتل مسلما خطأ أو عمدا لم يأخذه الأمير بشئ من ذلك لان الامام ما فوض إليه إقامة
(١٣١)