فإن كان لا يجب الحد لان بينهما تبسطا في المال والحرز لوجود الاذن بالتناول عادة فقد أخذ ما لم يحرزه عنه الحرز المبنى في الحضر ولا السلطان الجاري في السفر فأورث ذلك شبهة في الأجانب لاتحاد السبب وهو قطع الطريق وكان الجصاص يقول جواب الكتاب محمول على ما إذا كان المأخوذ مشتركا بين المقطوع عليهم وفى القطاع من هو ذو رحم محرم من أحدهم فأما إذا كان لكل واحد منهم مال مفرز يجب الحد على الباقين وجواب الكتاب مطلق عن هذا التفصيل والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى المقطوع له فما ذكر في كتاب السرقة وهو أن يكون المأخوذ مالا متقوما معصوما ليس فيه لاحد حق الاخذ ولا تأويل التناول ولا تهمة التناول مملوكا لا ملك فيه للقاطع ولا تأويل الملك ولا شبهة الملك محرزا مطلقا بالحافظ ليس فيه شبهة العدم نصابا كاملا عشرة دراهم أو مقدرا بها حتى لو كان المال المأخوذ لا يصيب كل واحد من القطاع عشرة لاحد عليهم وقد ذكرنا دلائل هذه الشرائط والمسائل التي تخرج عليها في كتاب السرقة وشرط الحسن بن زياد في نصاب قطع الطريق أن يكون عشرين درهما فصاعدا وقال عيسى بن زياد ان قتلوا قتلوا وإن كان ما أخذ كل واحد منهم أقل من عشرة (وجه) قول الحسن ان الشرع قدر نصاب السرقة بعشرة والواجب فيها قطع طرف الواحد وههنا يقطع طرفان فيشترط نصابان وذلك عشرون (وجه) قول عيسى رحمه الله انا أجمعنا على أنهم قتلوا ولم يأخذوا المال أصلا قتلوه فإذا أخذوا شيئا من المال وان قل أولى أن يقتلوا (ولنا) الفرق بين النوعين وهو أنهم لما قتلوا ولم يأخذوا المال أصلا على أن مقصودهم القتل لا المال والقتل جناية متكاملة في نفسها فيجازى بعقوبة متكاملة وهي القتل ولما أخذوا المال وقتلوا دل أن مقصودهم المال وإنما قتلوا ليتمكنوا من أخذ المال وأخذ المال لا يتكامل جناية الا إذا كان المأخوذ نصابا كما في السرقة والله تعالى أعلم * (فصلى) * وأما الذي يرجع إلى المقطوع فيه وهو المكان فنوعان أحدهما أن يكون قطع الطريق في دار الاسلام فإن كان في دار الحرب لا يجب الحد لان المتولي لإقامة الحد هو الامام وليس له ولاية في دار الحرب فلا يقدر على الإقامة فالسبب حين وجوده لم ينعقد سببا للوجوب لعدم الولاية فلا يستوفيه في دار الاسلام ولهذا لا يستوفى سائر الحدود في دار الاسلام إذا وجد أسبابها في دار الحرب كذا هذا والثاني أن يكون في غير مصر فإن كان في مصر لا يجب الحد سواء كان القطع نهارا أو ليلا وسواء كان بسلاح أو غيره وهذا استحسان وهو قولهما والقياس ان يجب وهو قول أبى يوسف (وجه) القياس أن سبب الوجوب قد تحقق وهو قطع الطريق فيجب الحد كما لو كان في غير مصر (وجه) الاستحسان أن القطع لا يحصل بدون الانقطاع لا يحصل بدون الانقطاع والطريق لا ينقطع في الأمصار وفيما بين القرى لان المارة لا تمتنع عن المرور عادة فلم يوجد السبب وقيل إنما أجاب أبو حنيفة عليه الرحمة على ما شاهده في زمانه لان أهل الأمصار كانوا يحملون السلاح فالقطاع ما كانوا يتمكنون من مغالبتهم في المصر والآن ترك الناس هذه العادة فتمكنهم المغالبة فيجرى عليهم الحد وعلى هذا قال أبو حنيفة رحمه الله فيمن قطع الطريق بين الحيرة والكوفة انه لا يجرى عليه الحد لان الغوث كان يلحق هذا الموضع في زمانه لاتصاله بالمصر والآن صار ملتحقا بالبرية فلا يلحق الغوث فيتحقق قطع الطريق والثالث أن يكون بينهم وبين المصر مسيرة سفر فإن كان أقل من ذلك لم يكونوا قطاع الطريق وهذا على ما قولهما فاما على قول أبى يوسف فليس بشرط ويكونون قطاع الطريق والوجه ما بينا فيجب الحد وروى عن أبي يوسف في قطاع الطريق في المصر ان قاتلوا نهارا بسلاح يقام عليهم الحد وان خرجوا بخشب لهم لم يقم عليهم لان السلاح لا يلبث فلا يلحق الغوث والخشب يلبث فالغوث يلحق وان قاتلوا ليلا بسلاح أو بخشب يقام عليهم الحد لان الغوث قلما يلحق بالليل فيستوى فيه السلاح وغيره والله سبحانه وتعالى أعلم ولو أشهر على رجل سلاحا نهارا أو ليلا في غير مصر أو في مصر فقتله المشهور عليه عمدا فلا شئ عليه وكذلك ان شهر عليه عصا ليلا في غير مصر أو في مصر وإن كان نهارا في مصر فقتله المشهور عليه يقتل به والأصل في هذا ان من قصد قتل
(٩٢)