لفضل قيمة البناء والموضع أن القسمة جائزة لأنها وقعت عادلة من حيث المعنى لان الدار قد يفضل بعضها على بعض بالبناء والموضع فكان ذلك تفضيلا من حيث الصورة تعديلا من حيث المعنى ولوم يسميا قيمة فضل البناء وقت القسمة جازت القسمة استحسانا وتجب قيمة فضل البناء وان لم يسمياها في القسمة والقياس أن لا تجوز القسمة لأن هذه قسمة بعض الدار دون بعض لان العرصة مع البناء بمنزلة شئ واحد وقسمة البناء بالقيمة فإذا وجدت القسمة مجهولة فوقعت القسمة للعرصة دون البناء بقيت وانها غير جائزة وجه الاستحسان أن قسمة العرصة قد صحت بوقوعها في محلها وهو الملك ولا صحة لها الا بقسمة البناء وذلك بالقيمة فتجب على صاحب الفضل قيمة فضل البناء وان لم يسم ضرورة صحة القسمة والله سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا الأصل تخرج أيضا قسمة الجمع في الأجناس المختلفة انها غير جائزة جبرا بالاجماع لتعذر تعديل الانصباء الا بالقيمة وانها ليست محل القسمة على ما مر ولا يجوز في الرقيق والدور عند أبي حنيفة رحمه الله لأنها في حكم الأجناس المختلفة ولا تقع القسمة فيها عادلة أو جائرة ولا تقسم الأولاد في بطون الغنم لتعذر التعديل وعلى هذا يخرج رد المقسوم بالعيب في نوعي القسمة لأنه إذا ظهر به عيب فقد ظهر انها وقعت جائرة لا عادلة فكان له حق الرد بالعيب كما في البيع ولو امتنع الرد بالعيب لوجود المانع منه يرجع بالنقصان كما في البيع الا أن في البيع يرجع بتمام النقصان وفى القسمة يرجع بالنصف لان النقصان في القسمة يرجع بالنصيبين جميعا فيرجع بنصف النقصان من نصيب شريكه وأما الرد بخيار الرؤية والشرط فيثبت في قسمة الرضا لان القسمة فيها معنى المبادلة وهذا النوع أشبه بالمبادلات لوجود المراضاة من الجانبين فيثبت فيه خيار الرؤية كما في البيع ولا يثبت في قسمة القضاء لا لخلوها عن المبادلة بل لعدم الفائدة لأنه لو ردها بخيار الرؤية والشرط لاجبره القاضي ثانيا فلا يفيد والله سبحانه وتعالى أعلم ولا تجب الشفعة في القسمة لان حق الشفعة يتبع المبادلة المحضة لثبوتها على مخالفة القياس والقسمة مبادلة من وجه فلا تحتمل الشفعة ولأنها لو وجبت لا يخلو اما أن تجب للشريك أو للجار لا سبيل إلى الأول لان الشفعة تجب لغير البائع والمشترى ولا سبيل إلى الثاني لان الشريك أولى من الجار والله سبحانه وتعالى أعلم ومنها الوجوب عند الطلب حتى يجبر على القسمة فيما ينتفع كل واحد من الشريكين بقسمته وكذا فيما ينتفع بها أحدهما ويستضر الآخر عند طلب المنتفع بالاجماع وعند طلب المستضر اختلاف روايتي الحاكم والقدوري رحمهما الله وقد ذكرناه والله سبحانه وتعالى أعلم ومنها اللزوم بعد تمامها في النوعين جميعا حتى لا يحتمل الرجوع عنها إذا تمت وأما قبل التمام فكذلك في أحد نوعي القسمة وهو قسمة القضاء دون النوع الآخر وهو قسمة الشركاء بيان ذلك أن الدار إذا كانت مشتركة بين قوم فقسمها القاضي أو الشركاء بالتراضي فخرجت السهام كلها بالقرعة لا يجوز لهم الرجوع وكذا إذا خرج الكل الا سهم واحد لان ذلك خروج السهام كلها لكون ذلك السهم متعينا بمن بقي من الشركاء وان خرج بعض السهام دون بعض فكذلك في قسمة القضاء لأنه لو رجع أحدهم لاجبره القاضي على القسمة ثانيا فلا يفيد رجوعه وأما في قسمة التراضي فيجوز الرجوع لان قسمة التراضي لا تتم الا بعد خروج السهام كلها وكل عاقد سبيل من الرجوع عن العقد قبل تمامه كما في البيع ونحوه والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما بيان حكم القسمة فنقول وبالله التوفيق حكم القسمة ثبوت اختصاص بالمقسوم عينا تصرفا فيه فيملك المقسوم له في المقسوم جميع التصرفات المختصة بالملك حتى لو وقع في نصيب أحد الشريكين ساحة لا بناء فيها ووقع البناء في نصيب الآخر فلصاحب الساحة ان يبنى في ساحته وله ان يرفع بناءه وليس لصاحب البناء ان يمنعه وإن كان يفسد عليه الريح والشمس لأنه يتصرف في ملك نفسه فلا يمنع عنه وكذا له ان يبنى في ساحته مخرجا أو تنورا أو حماما أو رحى لما قلنا وكذا له ان يقعد في بنائه حدادا أو قصارا وإن كان يتأذى به جاره لما قلنا وله ان يفتح بابا أو كوة لما ذكرنا ألا ترى ان له أن يرفع الجدار أصلا ففتح الباب والكوة أولى وله ان يحفر في ملكه بئرا أو بالوعة أو كرباسا وإن كان يهئ بذلك حائط جاره ولو طلب جاره تحويل ذلك لم يجبر على التحويل ولو سقط الحائط من ذلك
(٢٨)