بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٧ - الصفحة ٩
بشرط والمسألة ذكرت في كتاب الدعوى والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما آداب القضاء فكثيرة والأصل فيها كتاب سيدنا عمر رضي الله عنه إلى أبو موسى الأشعري رحمه الله سماه محمد رحمه الله كتاب السياسة وفيه أما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلى إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك وفى رواية ولا يخاف ضعيف جورك البينة على المدعى واليمين على من أنكر الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق فان الحق قديم لا يبطل ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن العظيم والسنة ثم اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور عند ذلك فاعمد إلى أحبها وأقربها إلى الله تبارك وتعالى وأشبهها بالحق اجعل للمدعى أمدا ينتهى إليه فإذا أحضر بينة أخذ بحقه والا وجب القضاء عليه وفى رواية وان عجز عنها استحللت عليه القضاء فان ذلك أبلغ في العذر وأجلى للعمى المسلمون عدول بعضهم على بعض الا محدودا في قذف أو ظنينا في ولاء أو قرابة أو مجربا عليه شهادة زور فان الله تعالى تولى منكم السر وفى رواية السرائر ودرأ عنكم بالبينات إياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس للخصوم في مواطن الحق الذي يوجب الله سبحانه وتعالى به الاجر ويحسن به الذخر وأن من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تعالى ولو على نفسه في الحق يكفه الله تعالى فيما بينه وبين الناس ومن يتزين للناس بما يعلم الله منه خلافه شانه الله عز وجل فإنه سبحانه وتعالى لا يقبل من العبادة الا ما كان خالصا فما ظنك بثواب عن الله سبحانه وتعالى من عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام ومنها أن يكون القاضي فهما عند الخصومة فيجعل فهمه وسمعه وقلبه إلى كلام الخصمين لقول سيدنا عمر رضي الله عنه في كتاب السياسة فافهم إذا أولى إليك ولان من الجائز أن يكون الحق مع أحد الخصمين فإذا لم يفهم القاضي كلامهما يضيع الحق وذلك قوله رضي الله عنه فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له ومنها أن لا يكون قلقا وقت القضاء لقول سيدنا عمر رضي الله عنه إياك والقلق وهذا ندب إلى السكون والتثبيت ومنها أن لا يكون ضجرا عند القضاء إذا اجتمع عليه الأمور فضاق صدره لقوله رضي الله عنه إياك والضجر ومنها أن لا يكون غضبان وقت القضاء لقول سيدنا عمر رضي الله عنه إياك والغضب وقال عليه الصلاة والسلام لا يقضى القاضي وهو غضبان ولأنه يدهشه عن التأمل ومنها أن لا يكون جائعا ولا عطشان ولا ممتلئا لأن هذه العوارض من القلق والضجر والغضب والجوع والعطش والامتلاء مما يشغله عن الحق ومنها أن لا يقضى وهو يمشى على الأرض أو يسير على الدابة لان المشي والسير يشغلانه عن النظر والتأمل في كلام الخصمين ولا بأس بأن يقضى وهو متكئ لان الاتكاء لا يقدح في التأمل والنظر ومنها أن يسوى بين الخصمين في الجلوس فيجلسهما بين يديه لا عن يمينه ولا عن يساره لأنه لو فعل ذلك فقد قرب أحدهما في مجلسه وكذا لا يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره لان لليمين فضلا على اليسار وقد روى أن عمر وأبى كعب رضي الله عنهما اختصما في حادثة إلى زيد بن ثابت فألقى لسيدنا عمر رضي الله عنه وسادة فقال سيدنا عمر رضي الله عنه هذا أول جورك وجلس بين يديه ومنها أن يسوى بينهما في النظر والنطق والخلوة فلا ينطلق بوجهه إلى أحدهما ولا يسار أحدهما ولا يومئ إلى أحدهما بشئ دون خصمه ولا يرتفع صوته على أحدهما ولا يكلم أحدهما بلسان لا يعرفه الآخر ولا يخلو بأحد في منزله ولا يضيف أحدهما فيعدل بين الخصمين في هذا كله لما في ترك العدل فيه من كسر قلب الآخر ويتهم القاضي به أيضا ومنها أن لا يقبل الهدية من أحدهما الا إذا كان لا يلحقه به تهمة وجملة الكلام فيه أن المهدى لا يخلو اما أن يكون رجلا كان يهدى إليه قبل تقليد القضاء واما إن كان لا يهدى إليه فإن كان لا يهدى إليه فاما إن كان قريبا له أو أجنبيا فإن كان قريبا له ينظر إن كان له خصومة في الحال فإنه لا يقبل لأنه يلحقه التهمة وإن كان لا خصومة له في الحال يقبل لأنه لا تهمة فيه وإن كان أجنبيا
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست