* (كتاب الحجر والحبس) * في هذا الكتاب فصلان فصل في الحجر وفصل في الحبس أما الحجر فالكلام فيه يقع في ثلاثة مواضع أحدها في بيان أسباب الحجر والثاني في بيان حكم الحجر والثالث في بيان ما يرفع الحجر (أما) الأول فقد اختلف فيه قال أبو حنيفة عليه الرحمة الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة مالها رابع الجنون والصبا والرق وهو قول زفر وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي وعامة أهل العلم رحمه الله تعالى والسفه والتبذير ومطل الغنى وركوب الدين وخوف ضياع المال بالتجارة والتلجئة والاقرار لغير الغرماء من أسباب الحجر أيضا فيجرى عندهم في السفيه المفسد للمال بالصرف إلى الوجوه الباطلة وفى المبذر الذي يسرف في النفقة ويغبن في التجارات وفيمن يمتنع عن قضاء الدين مع القدرة عليه إذا ظهر مطلله عند القاضي وطلب الغرماء من القاضي ان يبيع عليه ماله ويقضى به دينه وفيمن ركبته الديون وله مال فخاف الغرماء ضياع أمواله بالتجارة فرفعوا الامر إلى القاضي وطلبوا منه أن يحجر عليه أو خافوا ان يلجئ أمواله فطلبوا من القاضي أن يحجره عن الاقرار الا الغرماء فيجرى الحجر في هذه المواضع عندهم وعنده لا يجرى وما روى عن أبي حنيفة رحمه الله انه كان لا يجرى الحجر الا على ثلاثة المفتى الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفلس وليس المراد منه حقيقة الحجر وهو المعنى الشرعي الذي يمنع نفوذ التصرف ألا ترى أن المفتى لو أفتى بعد الحجر وأصاب في الفتوى جاز ولو أفتى قبل الحجر وأخطأ لا يجوز وكذا الطبيب لو باع الأدوية بعد الحجر نفذ بيعه فدل انه ما أراد به الحجر حقيقة وإنما أراد به المنع الحسى أي يمنع هؤلاء الثلاثة عن عملهم حسا لان المنع عن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لان المفتى الماجن يفسد أديان المسلمين والطبيب الجاهل يفسد أبدان المسلمين والمكاري المفلس يفسد أموال الناس في المفازة فكان منعهم من ذلك من باب الأمر بالمعرف والنهى عن المنكر لا من باب الحجر فلا يلزمه التناقض بحمد الله تعالى عز شأنه ولو حجر القاضي على السفيه ونحوه لم ينفذ حجره عند أبي حنيفة رحمه الله حتى لو تصرف بعد الحجر ينفذ تصرفه عنده وإن كان الحجر ههنا محل الاجتهاد لان الحجر من القاضي قضاء منه وقضاء القاضي في المجتهدات إنما ينفذ ويصير كالمتفق عليه إذا لم يكن نفس القضاء محل الاجتهاد فاما إذا كان فلا بخلاف سائر المجتهدات التي لا يرجع الاجتهاد فيها إلى نفس القضاء وقد ذكرنا الفرق في كتاب أدب القاضي واختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما في السفيه انه هل يصير محجورا عليه بنفس السفه أم يقف الانحجار على حجر القاضي قال أبو يوسف لا يصير محجورا الا بحجر القاضي وقال محمد ينحجر بنفسه السفه من غير الحاجة إلى حجر القاضي وحجة العامة قوله تبارك وتعالى فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل جعل الله سبحانه وتعالى لكل واحد من المذكورين وليا منهم السفيه وعند أبي حنيفة رحمه الله لا ولى للسفيه لأنه إذا كان له ولى دل انه مولى عليه فلا ينفذ تصرفه كالصبي والمجنون وقوله تبارك وتعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم نهى عن اعطاء الأموال السفهاء وعنده يدفع إليه ماله إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وإن كان سفيها وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع على معاذ ماله بسبب ديون ركبته وهذا نص في الباب لان البيع عليه لا يذكر الا في غير موضع الرضا ولان التصرفات شرعت لمصالح العباد والمصلحة تتعلق بالاطلاق مرة وبالحجر أخرى والمصلحة ههنا في الحجر ولهذا إذا بلغ الصبي سفيها يمنع عنه ماله إلى خمس وعشرين سنة بلا خلاف ولهذا حجر على الصبي والمجنون لكون الحجر مصلحة في حقهما كذا ههنا ولأبي حنيفة رضي الله عنه عمومات البيع والهبة والاقرار والظهار واليمين من نحو قوله تبارك وتعالى وأحل الله البيع وقوله سبحانه وتعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه إلى قوله عز شأنه ولا يبخس منه شيئا أجاز الله تعالى البدلين حيث ندب إلى الكتابة وأثبت الحق حيث أمر من عليه الحق بالاملاء ونهى عن البخس عاما من غير تخصيص وقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون
(١٦٩)