والله رواه البخاري وصحح ابن حبان رفعه كأن قال ذلك في حال غضب أو لجاج أو صلة كلام. قال ابن الصلاح:
والمراد بتفسير لغو اليمين بلا والله، وبلى والله على البدل لا على الجمع. أما لو قال: لا والله وبلى والله في وقت واحد.
قال الماوردي: كانت الأولى لغوا والثانية منعقدة لأنها استدراك فصارت مقصودة، ولو حلف على شئ فسبق لسانه إلى غيره كان من لغو اليمين، وجعل صاحب الكافي من لغو اليمين ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له، فقال: والله لا تقوم وهو مما تعم به البلوى. ولو ادعى سبق لسانه في إيذاء أو الحلف بطلاق أو عتق لم يقبل ظاهرا لتعلق حق الغير به.
تنبيه: لا حاجة لقوله بلا قصد بعد قوله ومن سبق لسانه. (وتصح) اليمين (على ماض) كوالله ما فعلت كذا أو فعلته بالاجماع لقوله تعالى * (يحلفون بالله ما قالوا) * ثم إن كان عامدا فهي اليمين الغموس، سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الاثم أو في النار، وهي من الكبائر وتتعلق بها الكفارة خلافا للأئمة الثلاثة لقوله تعالى: * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) * وهو يعم الماضي والمستقبل. وتعلق الاثم لا يمنع الكفارة كما أن الظهار منكر من القول وزور وتتعلق به الكفارة بل وفيه التعزير أيضا كما مر في فصل التعزير أنها مستثنى من قولهم يعزر كل معصية لا حد فيها ولا كفارة. فإن جهل ففي الكفارة خلاف حنث الناسي وحيث صدق فلا شئ عليه. والمراد بصدقه موافقة ما قصده إن احتمله اللفظ. ولو خالف الظاهر إلا أن يحلفه حاكم فتعتبر موافقة ظاهر لفظ الحاكم كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محله (و) على (مستقبل) لقوله (ص): والله لأغزون قريشا ويستثنى ممتنع الحنث لذاته. فإن اليمين فيه لا تنعقد كما مر أول الباب كقوله: والله لأموتن أو لا أصعد السماء بخلاف ممتنع البر، وتقدم الفرق بينهما، فلو قيد ممتنع البر بزمن كلا أصعد السماء غدا هل يحنث في الحال؟ حكمه حكم ما لو حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا وسيأتي (وهي) أي اليمين (مكروهة) للنهي عنها. بقوله تعالى * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) *: أي لا تكثروا الحلف بالله لأنه ربما يعجز عن الوفاء به. قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا.
تنبيه: كان الأولى للمصنف أن يقول في الجملة كما في المحرر: إذ منها ما هو معصية كما سيأتي في كلامه، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مستحب، وقد تجب (إلا في طاعة) من فعل واجب أو مندوب وترك حرام أو مكروه فطاعة، واستثنى الرافعي اليمين الواقعة في دعوى إن كانت صدقا فإنها لا تكره. قال المصنف رحمه الله: وكذا لو احتاج إليها لتوكيد كلام وتعظيم أمر، فالأول كقوله (ص): فوالله لا يمل الله حتى تملوا والثاني كقوله:
لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وضابطه الحاجة إلى اليمين. قال الإمام: ولا تجب اليمين أصلا لا على المدعي ولا على المدعى عليه، وأنكره الشيخ عز الدين. وقال: إذا كان المدعي كاذبا في دعواه وكان المدعى به مما لا يباح بالإباحة كالدماء والابضاع، فإن علم المدعى عليه أن خصمه لا يحلف إذا نكل فيتخير إن شاء حلف وإن شاء نكل وإن علم أو غلب على ظنه أنه يحلف وجب عليه الحلف فإن كان يباح بالإباحة وعلم أو ظن أنه لا يحلف فيتخير أيضا وإلا فالذي أراه وجوب الحلف دفعا لمفسدة كذب الخصم اه. وينبغي أن لا يجب عليه في هذه الحالة (فإن حلف على ترك واجب) كترك الصبح (أو فعل حرام) كالسرقة (عصى) بحلفه في الصورتين واستثنى البلقيني من الصورة الأولى مسألتين الأولى الواجب الذي يمكن سقوطه كالقصاص بعد الحكم به فإنه يمكن سقوطه بالعفو الثانية الواجب على الكفاية كما لو حلف لا يصلي على فلان الميت حيث لم تتعين عليه فإنه لا يعصي بهذا الحلف (ولزمه) عند عصيانه (الحنث وكفارة) لأن الإقامة على هذه الحالة معصية لخبر الصحيحين: من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
تنبيه: إنما يلزمه الحنث كما قال الزركشي إذا لم يكن له طريق سواه وإلا فلا، كما لو حلف لا ينفق على زوجته، فإن له طريقا سواه كأن يعطيها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها لأن الغرض حاصل مع بقاء التعظيم، وعكس مسألة