الكتاب لو حلف على فعل واجب أو ترك حرام أطاع باليمين وعصى بالحنث وعليه به الكفارة. (أو) حلف على (ترك مندوب) كسنة الضحى (أو) على (فعل مكروه) كالتفاته بوجهه في الصلاة (سن حنثه وعليه الكفارة) لأن اليمين والإقامة عليها مكروهان، لقوله تعالى: * (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة) * الآية نزلت في الصديق رضي الله عنه وقد حلف أن لا يبر مسطحا، فقال أبو بكر بلى رب وبره، وأجيب عن حديث الاعرابي حيث لم ينكر عليه (ص) في قوله: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه بأن يمينه تضمنت طاعة وهو امتثال الامر، ويحتمل أنه سبق لسانه إلى قوله لا أزيد فكان من لغو اليمين.
تنبيه: اختلف فيما لو حلف لا يأكل طيبا ولا يلبس ناعما، فقيل مكروه لقوله تعالى: * (قل من حرم زينة الله) * الآية، وقيل: طاعة لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش، وقيل: يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وقصودهم وفراغهم للعبادة واشتغالهم بالضيق والسعة، وهذا كما قال الرافعي الصواب. (أو) على (ترك مباح) معين (أو فعله) كدخول دار وأكل طعام ولبس ثوب (فالأفضل) له (ترك الحنث) بل يسن لما فيه من تعظيم الله تعالى وقد قال تعالى: * (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) * (وقيل) الأفضل له (الحنث) لينتفع الفقراء بالكفارة، قال الأذرعي: ويشبه أن محل الخلاف ما إذا لم يكن في ذلك أذى للغير، فإن كان بأن حلف لا يدخل دار أحد أبويه أو أقاربه أو صديق يكره ذلك فالأفضل الحنث قطعا، وعقد اليمين على ذلك مكروه بلا شك، وكذا حكم الاكل واللبس.
تنبيه: من حلف على فعل مندوب أو ترك مكروه وكره حنثه وعليه بالحنث كفارة، وقد علم بما تقرر أن اليمين لا تغير حال المحلوف عليه عما كان وجوبا وتحريما وندبا وكراهة إباحة، لكن قول المتن في المباح: الأفضل ترك الحنث فيه تغير للمحلوف عليه، ولذلك رجح بعضهم أن فيه التخيير بين الحنث وعدمه فيكون جاريا على القاعدة.
(وله) أي الحالف (تقديم كفارة بغير صوم) من عتق أو إطعام أو كسوة (على حنث جائز) واجب أو مندوب أو مباح لقوله (ص): فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
ولأنه حق مالي وجب بسببين فجاز تعجيله بعد وجود أحدهما كالزكاة قبل الحول، لكن الأولى أن لا يكفر حتى يحنث خروجا من خلاف أبي حنيفة، واحترز بقوله على حنث عن تقديمها على اليمين فإنه يمتنع بلا خلاف، وكذا مقارنتها لليمين، كما لو وكل من يعتق عنها مع شروعه في اليمين. أما الصوم فيمتنع تقديمه على الحنث على الصحيح، لأنه عبادة بدنية فلم يجز تقديمها على وقت وجوبها بغير حاجة كصوم رمضان، واحترز بغير حاجة عن الجمع بين الصلاتين (قيل:
و) له تقديمها على حنث (حرام) كالحنث بترك واجب أو فعل حرام (قلت: هذا) الوجه (أصح، والله أعلم) من مقابله وهو المنع الذي جرى عليه في المحرر، وعلله بأنه يتطرق به لارتكاب محظور، والتعجيل رخصة فلا تليق بالعاصي، لأن الحظر في الفعل ليس من حنث اليمين، لأن المحلوف عليه حرام قبل اليمين وبعدها فالتكفير لا يتعلق به استباحة.
تنبيه: إذا قدم الكفارة على الحنث ولم يحنث استرجع كالزكاة، قاله الدارمي. ولو قدم العتق اشترط في إجزائه بقاء العتيق حيا مسلما إلى الحنث، فلو مات أو ارتد قبله لم يجزه، ولو أعتق عبدا عن كفارته ومات قبل حنثه كأن عتقه تطوعا كما صرح به البغوي في فتاويه.
فروع: لو قال: أعتقت عبدي عن كفارتي إن حنثت فحنث أجزأه، وإن قال: إن حلفت لم يجزه، ولو قال: إن حنثت غدا فعبدي حر عن كفارتي، فإن حنث غدا عتق وأجزأه عنها، وإلا فلا. ولو قال: أعتقته عن كفارتي إن حنثت فبان حانثا عتق وأجزأه عنها، وإلا فلا. نعم إن حنث بعد ذلك أجزأه عنها، ولو قال: إن حلفت وحنثت فبان