من طرف الشفة ويكره تأخير هذه المذكورات عند الحاجة، وتأخيرها إلى بعد الأربعين أشد كراهة، وأن يغسل البراجم ولو في غير الوضوء، وهي عقد الأصابع ومفاصلها وذلك للاتباع، وأن يغسل معاطف الاذن وصماخها فيزيل ما فيه من الوسخ بالمسح، قاله في المجموع، وأن يغسل داخل الانف تيامنا في كل المذكورات، وأن يخضب الشعر الشائب بالحمرة والصفرة، وهو بالسواد حرام، لقوله (ص): اجتنبوا السواد إلا لمجاهد في الكفار فلا بأس به وخضاب اليدين والرجلين بالحناء ونحوه للرجل حرام إلا لعذر. أما المرأة فيسن لها مطلقا، والخنثى في ذلك كالرجل احتياطا، ويسن فرق شعر الرأس وتمشيطه بماء أو دهن أو غيره، وتسريح اللحية لخبر أبي داود بإسناد حسن من كان له شعر فليكرمه ويكره القزع وهو حلق بعض الرأس مطلقا، وقيل حلق مواضع متفرقة منه، وأما حلق جميع الرأس فلا بأس به لمن أراد التنظف، ولا يتركه لمن أراد أن يدهنه ويرجله. وأما المرأة فيكره لها حلق رأسها إلا لضرورة، ويكره نتف اللحية أول طلوعها إيثارا للمرودة، ونتف الشيب واستعجال الشيب بالكبريت أو غيره طلبا للشيخوخة، ونتف جانبي العنفقة وتشعيثها إظهارا للزهد وتصفيفها طاقة فوق طاقة للتزين والتصنع، والنظر في سوادها وبياضها إعجابا وافتخارا، والزيادة في العذارين من الصدغ والنقص منهما، ولا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب.
قال الزركشي: هذا يرده ما رواه الإمام أحمد في مسنده: قصوا سبالاتكم ولا تتشبهوا باليهود.
كتاب الأطعمة جمع طعام: أي بيان ما يحل أكله وشربه منها وما يحرم، إذ معرفة أحكامها من المهمات، لأن في تناول الحرام الوعيد الشديد، فقد ورد في الخبر: أي لحم نبت من حرام، فالنار أولى به. والأصل فيها قوله تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) * الآية، وقوله تعالى * (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) *: أي ما تستطيبه النفس وتشتهيه، ولا يجوز أن يراد الحلال لأنهم سألوه عما يحل لهم، فكيف يقول أحل لكم الحلال.
فائدة: اسم الطيب يقع على أربعة أشياء: الحلال، ومنه: * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات) * والطاهر، ومنه:
* (فتيمموا صعيدا طيبا) * وما لا أذى فيهم كقولهم: هذا يوم طيب، وما تستطيبه النفس كقولهم: هذا طعام طيب.
(حيوان البحر) وهو ما لا يعيش إلا في الماء وعيشه خارجه كعيش المذبوح، منه ما ليس له رئة كأنواع السمك، ومنه ما له رئة كالضفدع فإنها تجمع بين الماء والهواء.
فائدة: روى القزويني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي (ص) قال: إن الله خلق في الأرض ألف أمة ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر. وقال مقاتل بن حيان: لله تعالى ثمانون ألف عالم، أربعون ألفا في البحر، وأربعون ألفا في البر. (السمك منه) أي ما هو بصورته المشهورة (حلال كيف مات) حنف أنفه أو بسبب ظاهر كصدمة حجر أو ضربة صياد أو انحسار ماء راسبا كان أو طافيا، لقوله تعالى * (أحل لكم صيد البحر وطعامه) * أي مصيده ومطعومه، وقال جمهور الصحابة: طعامه ما طفا على وجه الماء، وإلى هذا يشير قوله (ص):
هو الطهور ماؤه الحل ميتته والصحيح في حديث العنبر أنهم وجدوه بشاطئ البحر ميتا فأكلوا منه، وقدموا منه إلى النبي (ص) فأكل منه، نعم إن انتفخ الطافي بحيث يخشى منه السقم يحرم للضرورة، قاله الجويني والشاشي.
تنبيه: كلام المصنف قد يوهم توقف الحل على موته وليس مرادا، وقد مر في الصيد والذبائح أنه يحل بلع سمكة حية، وأنه يحل قلي صغار السمك من غير أن يشق جوفه ويعفى عما فيه، وأنه لو وجد سمكة في جوف