تنبيه: قد يؤخذ من علة النهي عن الذبح بالعظم أنه بمطعوم الآدمي أولى كأن يذبح بحرف رغيف محدد، ومعلوم مما يأتي أن ما قتلته الجارحة بظفرها أو نابها حلال، فلا حاجة إلى استثنائه. وخرج بمحدد ما تضمنه قوله (فلو قتله بمثقل) - بقاف مفتوحة شديدة - أي شئ ثقيل (أو ثقل محدد) فالأول (كبندقة وسوط وسهم بلا نصل ولا حد) وأما الثاني فلم يمثل له، وذلك كسهم بنصل أو حد قتل بثقله، ومنه السكين الكال إذا ذبحت بالتحامل عليها. ثم أشار لصور يقع الموت فيها بسببين بقوله (أو) قتل بنحو (سهم وبندقة) أي قتله بهما (أو جرحه) أي الصيد (نصل وأثر فيه عرض السهم) - بضم العين - أي جانبه (في مروره ومات بهما) أي الجرح والتأثير (أو انخنق) ومات (بأحبولة) منصوبة لذلك، وهي ما تعمل من الحبال للاصطياد (أو أصابه سهم) فجرحه جرحا مؤثرا (فوقع بأرض) عالية (أو) طرف (جبل ثم سقط منه) في المسألتين وفيه حياة مستقرة ومات (حرم) الصيد في جميع هذه المسائل، أما القتل بالمثقل، فلأنها موقوذة فإنها مما قتل بحجر أو نحوه مما لا حد له، وأما موته بالسهم والبندقة وما بعدهما فلانه مات بسببين مبيح ومحرم، فغلب المحرم لأنه الأصل في الميتات، وأما المنخنقة بالأحبولة فلقوله تعالى : * (والمنخنقة) * وأما إذا أصابه سهم فوقع بأرض، فقد اختلف كلام الشراح في تصويره، فمنهم من صوره بما إذا أصابه السهم في الهواء ولم يؤثر فيه جرحا بل كسر جناحه فوقع فمات، فإنه لا يحل لعدم مبيح يحال الموت عليه، أما إذا جرحه السهم جرحا مؤثرا ثم سقط على الأرض ومات، فإنه يحل كما سيأتي في كلامه. ومنهم من صوره بما إذا جرحه جرحا مؤثرا ووقع بأرض عالية ثم سقط منها وجعله من صور الموت بسببين، وعلله بأنه لا يدري بأيهما مات، وهذا هو الظاهر كما حملت كلامه عليه. ولو عبر كالمحرر والروضة بوقوع على طرف سطح كان أولى. ولا بد في تصوير الأرض والجبل بأن يكون فيه حياة مستقرة كما قدرته في كلامه أما إذا أنهاه السهم إلى حركة مذبوح فإنه يحل ولا أثر لصدمة الأرض والجبل. واحترز بقوله سقط عما إذا لم يسقط منه ولكن تدحرج من جنب إلى جنب فإنه يحل بلا خلاف.
فائدة: أفتى المصنف بأن الرمي بالبندق جائز، ولكن محله إذا كان الصيد لا يموت منه غالبا كالكركي فإن كان يموت منه غالبا كالعصافير وصغار الوحش حرم كما قاله في شرح مسلم، فإن احتمل واحتمل ينبغي أن يحرم. (ولو أصابه سهم بالهواء) أو جرحه جرحا مؤثرا (فسقط بأرض ومات) قبل وصوله الأرض أو بعده (حل) لأن الوقوع على الأرض لا بد منه فعفي عنه كما لو كان الصيد قائما فوقع على جنبيه لما أصابه السهم وانصدم بالأرض وكذلك لو كان الطائر على شجرة فأصابه السهم فسقط بالأرض، فإن سقط على غصن ثم على الأرض لم يحل كما لو سقط على سطح ثم على الأرض ومات لم يحل، وخرج بالأرض ما لو وقع في بئر فيها ماء فإنه يحرم، فإن لم يكن فيها ماء حل إن لم يصدم جدرانها.
تنبيه: لو رمى طير الماء وهو فيه فأصابه ومات حل، والماء له كالأرض لغيره، وإن كان الطير في هواء الماء، فإن كان الرامي في الماء، ولو في نحو سفينة حل، أو في البر حرم إن لم ينهه بالجرح إلى حركة مذبوح، ولو كان الطير خارج الماء فرماه فوقع في الماء سواء كان الرامي في الماء أم خارجه حرم كما فهم مما ذكر بالأولى، وكما هو أحد وجهين حكاهما في الروضة كأصلها بلا ترجيح، وقضية كلامهما أن طير البر ليس كطير الماء فيما ذكر، لكن البغوي في تعليقه جعله مثله، فإن حمل أن الإضافة في طير الماء في كلامهما على معنى في فلا مخالفة، وهذا أولى ومحل ما مر كما قال الأذرعي: إذا لم يغمسه السهم في الماء سواء كان على وجه الماء أم في هواته، أما لو غمسه فيه قبل إنهائه إلى حركة المذبوح، أو انغمس فيه بالوقوع لثقل جثته فمات فهو غريق لا يحل قطعا. قال الماوردي: