مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٥٠
فلانة على وجه الزنا. وينبغي كما قال الزركشي أن يقوم مقامه زنى بها زنا يوجب الحد إذا كانوا عارفين بأحكامه، ويشترط تقديم لفظ أشهد على أنه زنى ويذكر الموضع فإنهم لو اختلفوا فيه بطلت الشهادة (أو إقرار) حقيقي ولو (مرة) لأنه (ص) رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما رواه مسلم.
تنبيه: أشار بقوله: مرة إلى خلاف مذهب أبي حنيفة و أحمد حيث اعتبر الاقرار أربعا لحديث ماعز رضي الله عنه. وأجاب أئمتنا بأنه (ص) إنما كرره على ماعز في خبره لأنه شك في عقله ولهذا قال: أبك جنون، ولم يكرره في خبر الغامدية، ويعتبر كون الاقرار مفصلا كالشهادة فلا يستوفي القاضي الحد بعلمه كما قاله المصنف في القضاء، بخلاف سيد العبد فإنه يستوفيه من العبد بعلمه، أما الاقرار التقديري وهو اليمين المردودة بعد نكول الخصم فلا يثبت به الزنا ولكن يسقط به الحد عن القاذف، وأورد عن طريق آخر مختص بالمرأة وهو ما إذا قذفها الزوج ولاعن ولم تلاعن هي فإنه يجب عليها الحد كما ذكراه في بابه.
فروع: يكفي في ثبوت الحد إشارة الأخرى بالاقرار بالزنا، وإن رئي رجل وامرأة أجنبيان تحت لحاف عزرا ولم يحدا ويقام الحد في دار الحرب إن لم يخف فتنة في نحو ردة المحدود والتحاقه بدار الحرب، ويسن للزاني ولكل من ارتكب معصية الستر على نفسه لخبر: من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد رواه الحاكم والبيهقي بإسناد جيد، فإظهارها ليحد أو يعزر خلاف المستحب، وأما التحدث بها تفكها لحرام قطعا للأخبار الصحيحة فيه. وأيضا فقد يسن له ذلك بترك الشهادة إن رآه مصلحة فإن تعلق بتركها إيجاب حد على الغير كأن شهد ثلاثة بالزنا أثم الرابع بالتوقف ويلزمه الأداء. أما ما يتعلق بحق آدمي كقتل أو قذف فإنه يستحب له بل يجب عليه أن يقر به ليستوفى منه لما في حقوق الآدميين من التضييق، ويحرم العفو عن حد الله تعالى والشفاعة فيه لقوله (ص) لأسامة لما كلمه في شأن المخزومية التي سرقت أتشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام فخطب فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها رواه الشيخان. (ولو أقر) بالزنا (ثم رجع) عنه (سقط) الحد عنه، لأنه (ص) عرض لماعز بالرجوع بقوله: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت فلو لم يسقط به الحد لما كان له معنى، ولأنهم لما رجموه قال: ردوني إلى رسول الله (ص) فلم يسمعوا، وذكروا ذلك للنبي (ص). فقال: هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه.
قال ابن عبد البر: هذا أوضح دليل على أنه يقبل رجوعه، لكن لو قتل بعد الرجوع لم يقتص من قاتله لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع ويضمن بالدية كما قال ابن المقري، لأن الضمان بها بجامع الشبهة ويحصل الرجوع بقوله: كذبت، أو رجعت عما أقررت به أو ما زنيت أو كنت فأخذت أو نحو ذلك، وسواء رجع بعد الشروع في الحد أو قبله، فإن رجع في أثنائه فكمل الإمام متعديا بأن كان يعتقد سقوطه بالرجوع فمات بذلك، هل يجب عليه نصف الدية لأنه مات بمضمون وغيره أو توزع الدية على السياط؟ قولان: أقربهما كما قال شيخنا الثاني كما لو ضربه زائدا على حد القذف ويسن لمن أقر بزنا أو شرب مسكرا الرجوع كما يستتر ابتداء كما رجحه في الروضة.
فروع: لو قال: زنيت بفلانة فأنكرت، وقالت: كان تزوجني فمقر بالزنا وقاذف لها فيلزمه حد الزنا وحد القذف فإن رجع سقط حد الزنا وحده، وإن زنيت بها مكرهة لزمه حد الزنا لا القذف ولزمه لها مهر، فإن رجع عن إقراره سقط الحد لا المهر لأنه حق آدمي، ولو شهد بإقراره بالزنا فكذبهم لم يقبل تكذيبه، لأنه تكذيب للشهود والقاضي، ولو أقر بالزنا ثم شهد عليه أربعة بالزنا ثم رجع عن الاقرار هل يحد؟ وجهان: أحدهما يحد لبقاء حجة البينة كما لو شهد عليه ثمانية فرد أربعة، وثانيهما لا إذ لا أثر للبينة مع الاقرار. وقد بطل ونقلهما الماوردي في ذلك وفي عكسه، وقال: الأصح عندي اعتبار أسبقهما، وينبغي كما قال شيخي: أن المعول على البينة حيث وجدت، لأن البينة في هذا الباب أقوى كما أن الاقرار في المال أقوى، إلا إذا أسند الحكم للاقرار، فإنه يعمل به، قدمت البينة عليه أو تأخرت.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548