الجنايات فحيث لا يجوز القلع أو القطع، فالاستئجار له باطل، وحيث يجوز، يصح الاستئجار على الأصح. ووجه المنع: أنه لا يوثق ببقاء العلب، فربما زالت بتعذر الوفاء. وسبيل مثل هذا، أن يحصل بالجعالة، فيقول: اقلع سني هذه ولك كذا. ورأي الامام تخصيص الوجهين بالقلع، لان زوال الوجع في ذلك الزمن غير بعيد، بخلاف الاكلة، فإنه غير محتمل في زمن القطع. ويجري الوجهان، في الاستئجار للفصد والحجامة وبزغ الدابة، لأن هذه الايلامات إنما تباح بالحاجة، وقد تزول الحاجة.
فرع استأجرها لكنس المسجد، فحاضت، انفسخ العقد إن أستأجر ها عينها وعينت المدة. وإن استأجر (ها) في الذمة، لم ينفسخ، لامكان الكنس بغيرها أو بعد الحيض. وإذا جوزنا الاستئجار لقلع السن، فسكن الوجع وبرأ، انفسخت الإجارة، للتعذر على المذهب، وفيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى في القسم الثالث من الباب الثالث. وإن لم يبرأ، لكن امتنع المستأجر من القلع، قال في الشامل: لا يجبر عليه، إلا أنه إذا سلم الأجير نفسه، ومضى مدة إمكان العمل، وجب على المستأجر الأجرة. ثم ذكر القاضي أبو الطيب: أنها لا تستقر، حتى لو انقلعت تلك السن، انفسخت الإجارة، ووجب رد الأجرة، كما لو مكنت الزوجة في النكاح، ولم يطأ الزوج. ويفارق ما إذا حبس الدابة مدة إمكان السير، حيث تستقر عليه الأجرة، لتلف المنافع تحت يده.
قلت: هذا الذي نقله عن صاحب الشامل إلى آخر كلام القاضي أبي الطيب، هكذا هو في الشامل والبيان. فإن قيل: قد قال الشيخ نصر المقدسي في تهذيبه: إذا امتنع المستأجر من قلعه، لم يكن له فسخ العقد، لكن يدفع الأجرة، وله الخيار بين مطالبته بقلعه، وبين تركه، كما لو استأجره ليخيط له ثوبا. قلنا: هذا الذي قاله، لا يخالف قول