وأجيب بأن هذا الحديث أخص من تلك الأدلة مطلقا فيبنى العام على الخاص قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها. وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار، كما وقع في رواية لأبي داود بلفظ " إذا استأذن أحدكم أخاه " وفى رواية لأحمد " من سأله جاره " وكذا في رواية لابن حبان، فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع، لا إذا لم يتقدم، وبهذا يصح الجمع بين الأحاديث العامة والخاصة، والمطلقة والمقيدة والله تعالى أعلم.
والمذهب انه إذا أراد رجل أن يضع أجذاعه على حائط جاره أو حائط مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه، فإن كان به إلى ذلك حاجة، مثل أن يكون له براح من الأرض ويحيط له بالبراح ثلاثة جدر ولجاره أو شريكه جدار رابع، أو أراد صاحب الجدر الثلاثة أن يضع عليها سقفا فهل يجبر صاحب الجدار الرابع على تمكينه من ذلك، فيه قولان قال في القديم: يجبر إذا كان ما يضعه لا يضر بالحائط ضررا بينا. وبه قال أحمد وغيره ممن مضى ذكرهم لحديث أبي هريرة الذي نكس فيه القوم رؤوسهم، فقال أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينها بين أظهركم، يعنى هذه السنة التي أنتم عنها معرضون. فإذا قلنا بهذا فلم يبذل الجار له أجبره الامام أن يضع خشبه على جداره.
وقال في الجديد: لا يجبر على ذلك. قال العمراني: وهو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة لحديث " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه " ولأنه انتفاع بملك غيره من غير ضرورة فلم يجز من غير إذنه، كزراعة أرضه والبناء في أرضه (قلت) قد ذهب المصنف إلى أن للخبر تأويلين (أحدهما) أنه محمول على الاستحباب (والثاني) أن معناه إذا أراد الرجل أن يضع خشبة على جدار له لاخراج روشن أو شرفة أو جناح إلى شارع نافذ فليس لجاره المحاذي له أن يمنعه من ذلك، لأنه قال: لا يمنع أحدكم جاره ان يضع خشبه على جداره، والضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو الجار.