قال المصنف رحمه الله:
(فصل) وإن أخرج جناحا إلى طريق لم يخل، اما أن يكون الطريق نافذا أو غير نافذ، فإن كان الطريق نافذا نظرت فإن كان الجناح لا يضر بالمارة جاز، ولم يعترض عليه. واختلفوا في علته. فمن أصحابنا من قال يجوز، لأنه ارتفاق بما لم يتعين عليه ملك أحد من غير اضرار فجاز كالمشي في الطريق، ومنهم من قال يجوز لان الهواء تابع للقرار، فلما ملك الارتفاق بالطريق من غير اصرار ملك الارتفاق بالهواء من غير اضرار، فإن وقع الجناح أو نقضه وبادر من يحاذيه، فأخرج جناحا يمنع من إعادة الجناح الأول جاز، لان الأول ثبت له الارتفاق بالسبق إلى اخراج الجناح، فإذا زال الجناح جاز لغيره أن يرتفق، كما لو قعد في طريق واسع ثم انتقل عنه (الشرح) قوله " جناحا " فعله جنح أي مال، وبابه خضع ودخل والجوانح الأضلاع التي تحت الترائب، وجناح الطائر يده. وقد شبه به البناء الناتئ البارز من جدار البيت معلقا في الهواء.
أما الأحكام: فإنه إذا أخرج جناحا أو روشنا، وهو نافذة تشبه الشرفة (أو البلكونة) إلى شارع نافذ نظرت فإن كان لا يضر بالمسلمين جاز ولم يمنع من ذلك. وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: له اخراجه إلى أن يمنعه المسلمون أو واحد منهم، فإذا منعه واحد من المسلمين لم يجز له اخراجه، فان أخرجه أزيل أو قلع دليلنا ما روى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بميزاب للعباس رضي الله عنه فقطر عليه فأمر بقلعه، فخرج إليه العباس رضي الله عنه فقال له: خلعت ميزابا ركبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقال عمر:
والله لا يصعد من ينصبه الا على ظهري، فصعد العباس على ظهره ونصبه. فإذا ثبت هذا في الميزاب ثبت في الروشن مثله، لان الميزاب خشبة واحدة - على عهدهم أو قضيب مجوف على عهدنا - أما الروشن أو الجناح فهو بناء متكامل