فأما إذا أراد أن يبنى على الحائط أو يضع عليه خشبا يضر به ضررا بينا أو جدار آخر يمكنه أن يسقف عليه، لم يجبر الجار قولا واحدا، فإذا قلنا بقوله في الجديد فأعاره صاحب الحائط فوضع الخشب عليه لم يكن لصاحب الحائط أن يطالبه بقلعه، لان اذنه يقتضى البقاء على التأبيد، فان قلع المستعير خشبه أو سقطت فهل له أن يعيد مثلها؟ فيه وجهان.
(أحدهما) له ذلك، لأنه قد استحق دوام بقائها.
(والثاني) ليس له بغير اذن مالك الحائط وهو الصحيح، لان السقف إذا سقط فلا ضرر على المعير في الرجوع. وان أراد صاحب الحائط هدم حائطه، فإن لم يكن مستهدما لم يكن له ذلك، لان المستعير قد استحق تبقية خشبه عليه، وإن كان مستهدما فله ذلك، وعلى صاحب الخشب نقله، فإذا أعاد صاحب الحائط حائطه - فان بناه بمادة أخرى - لم يكن لصاحب الخشب إعادة خشبه من غير اذنه، لان هذا الحائط غير الأول.
وقال الحنابلة: يجوز إعادة وضعه بغير اذنه. وان بناه بمادته الأولى بعينها بأن كانت عضادته خشبا فأقامه أو حجرا فرصه، فهل له أن يعيد خشبه بغير اذن على الوجهين الأولين، فان صالحه بمال ليضع أجذاعه على جداره في قوله الجديد أو قلنا يجبر الجار على تمكينه من وضعها على القديم فصالح مالك الجدار مالك الخشب ليضع عن جداره الخشب صح الصلح، لان ما صح بيعه صح ابتياعه كسائر الأموال، والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل) وإن كان في ملكه شجرة فاستعلت وانتشرت أغصانها وحصلت في دار جاره جاز للجار مطالبته بإزالة ما حصل في ملكه، فإن لم يزله جاز للجار ازالته عن ملكه، كما لو دخل رجل إلى داره بغير اذنه، فان له أن يطالبه بالخروج، فإن لم يخرج أخرجه، فان صالحه منه على مال فإن كان يابسا لم يجز لأنه عقد على الهواء، والهواء لا يفرد بالعقد، وإن كان رطبا لم يجز لما ذكرناه ولأنه صلح على مجهول، لأنه يزيد في كل وقت.