وروى الشعبي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من رهن دابة فعليه نفقتها وله ظهرها ونتاجها " ولان الرهن ملك للراهن فكان نماؤه ملكا له كما لو لم يكن مرهونا، وعلى أبي حنيفة ما روى الأعمش عن أبي هريرة مرفوعا " الرهن محلوب ومركوب للراهن " وبالاجماع بيننا وبين أبي حنيفة أنه محلوب ومركوب للمرتهن، فثبت أنه محلوب ومركوب للراهن وحديث " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " وغنمه نماؤه، فمن قال إنه رهن فقد خالف الأحاديث، ولان الرهن عقد لا يزيل الملك عن الرقبة فلم يسر إلى الولد كالإجارة، ولان الرهن حق تعلق بالرقبة ليستوفى من ثمنها، فلم يسر إلى الولد كأرش الجناية.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل) ويملك الراهن التصرف في منافع الرهن على وجه لا ضرر فيه على المرتهن، كخدمة العبد وسكنى الدار وركوب الدابة وزراعة الأرض، لقوله صلى الله عليه وسلم " الرهن محلوب ومركوب " ولأنه لم يدخل في العقد ولا يضر بالمعقود له، فبقي على ملكه وتصرفه كخدمة الأمة المزوجة، ووطئ الأمة المستأجرة، وله أن يستوفى ذلك بالإجارة والإعارة، وهل له أن يستوفى ذلك بنفسه؟ قال في الام له ذلك. وقال في الرهن الصغير لا يجوز، فمن أصحابنا من قال فيه قولان (أحدهما) لا يجوز لأنه لا يأمن أن يجحد فيبطل حق المرتهن (والثاني) يجوز وهو الصحيح، لان كل منفعة جاز أن يستوفيها بغيره جاز أن يستوفيها بنفسه كمنفعة غير المرهون، ودليل القول الأول يبطل به إذا أكراه من غيره فإنه لا يؤمن أن يجحد ثم يجوز ومنهم من قال: إن كان الراهن ثقة جاز، لأنه يؤمن أن يجحد، وإن كان غير ثقة لم يجز، لأنه لا يؤمن أن يجحد، وحمل القولين على هذين الحالين (الشرح) الأحكام: إذا ثبت أن منافع الرهن ملك للراهن فله أن يستوفيها على وجه لا ضرر فيه على المرتهن، فإن كان الرهن دابة فله أن يعيرها من ثقة.