لا يغرز خشبا في جداره، فلقيا مجمع بن يزيد الأنصاري ورجالا كثيرا فقالوا:
نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبا في جداره، فقال الحالف: أي أخي قد علمت أنك مقضى لك على، وقد حلفت فاجعل اسطونا دون جداري ففعل الآخر، فغرز في الاسطوان خشبة " وهو أيضا عند ابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد، وعند البيهقي من طريق عبادة. وعند الطبراني في الكبير وأبى نعيم من حديث ثعلبة بن مالك القرظي، وما جاء في بعض ألفاظه من جعل الطريق سبعة أذرع ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وعكرمة بن سلمة بن ربيعة مجهول وقوله " لا يمنع " بالجزم على النهى. وفى رواية لأحمد " لا يمنعن " وفى لفظ للبخاري بالرفع على الخبرية، وهي في معنى النهى.
وقوله " خشبة " قال القاضي عياض رويناه في مسلم وغيره من الأصول بصيغة الجمع والافراد، ثم قال: وقال عبد الغنى بن سعيد: كل الناس تقوله بالجمع الا الطحاوي، فإنه قال عن روح بن الفرج. سألت أبا زيد والحرث بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه. فقالوا كلهم خشبة بالتنوين، ورواية مجمع تشهد لمن رواه بلفظ الجمع. ويؤيدها أيضا ما رواه البيهقي من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ " إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه ".
قال القرطبي وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف، لان أمر الخشبة الواحدة يخف على الجار المسامحة به بخلاف الأخشاب الكثيرة أما الأحكام فان هذه الأحاديث تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره، ويجبره الحاكم إذا امتنع وبهذا قال الشافعي في القديم وأحد قولي الجديد، وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية وأهل الحديث وقال الشافعي في أحد قولي الجديد والحنفية ومالك والجمهور من الفقهاء انه يشترط اذن المالك، ولا يجبر صاحب الجدار إذا امتنع، وحملوا النهى على التنزيه جمعا بينه وبين الأدلة القاضية بأنه " لا يحل مال امرئ " مسلم الا بطيبة من نفسه "