قال المصنف رحمه الله تعالى.
باب التفليس إذا كان على رجل دين، فإن كان مؤجلا لم يجز مطالبته، لأنا لو جوزنا مطالبته سقطت فائدة التأجيل، فان أراد سفرا قبل محل الدين، لم يكن للغريم منعه، ومن أصحابنا من قال إن كان السفر مخوفا كان له منعه، لأنه لا يأمن أن يموت فيضيع دينه، والصحيح هو الأول، لأنه لا حق له عليه قبل محل الدين، وجواز أن يموت لا يمنع من التصرف في نفسه قبل المحل، كما يجوز في الحضر أن يهرب ثم لا يملك حبسه لجواز الهرب، وان قال أقم لي كفيلا بالمال، لم يلزمه، لأنه لم يحل عليه الدين فلم يملك المطالبة بالكفيل، كما لو لم يرد السفر، وإن كان الدين حالا نظرت، فإن كان معسرا لم يجز مطالبته لقوله تعالى " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " ولا يملك ملازمته لان كل دين لا يملك المطالبة به لم يملك الملازمة عليه كالدين المؤجل، فإن كان يحسن صنعة فطلب الغريم أن يؤجر نفسه ليكسب ما يعطيه لم يجبر على ذلك لأنه اجبار على التكسب فلم يجز كالاجبار على التجارة، وإن كان موسرا جازت مطالبته. لقوله تعالى " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ".
فدل على أنه إذا لم يكن ذا عسرة لم يجب انظاره، فإن لم يقضه ألزمه الحاكم، فان امتنع، فإن كان له مال ظاهر باعه عليه لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " ألا ان الأسيفع أسيفع جهينة رضى من دينه أن يقال سبق الحاج فأدان معرضا فأصبح وقد رين به، فمن له دين فليحضر، فانا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه " وإن كان له مال كتمه حبسه وعزره حتى يظهره، فان ادعى الاعسار نظرت، فإن لم يعرف له قبل ذلك مال فالقول قوله مع يمينه لان الأصل عدم المال، فان عرف له المال لم يقبل قوله، لأنه معسر الا ببينة، لان الأصل بقاء المال، فان قال غريمي يعلم أنى معسر، أو أن مالي هلك فحلفوه حلف، لان ما يدعيه محتمل، فان أراد أن يقيم البينة على هلاك المال قبل فيه شهادة عدلين.