فإن قالوا: كما لم يجب على كل واحد من الجماعة إذا اشتركوا في قتل الخطأ دية كاملة لم يجب عليهم قصاص كامل.
قلنا: الدية تتبعض فيمكن تقسيطها عليهم والقصاص لا يتبعض.
فأما الكلام على من شاركنا من الفقهاء في قتل الجماعة بالواحد وانفرادنا عنه بذلك الترتيب الذي رتبناه فهو أنا نقول: هذه الجماعة إنما قتلت نفسا واحدة وإن اشتركوا في قتلها، وإذا أخذت الأنفس الكثيرة بتلك النفس على ما ورد به الشرع فلا بد مما ذكرناه من رد الدية على أولياء المقتولين حتى تخلص نفس واحدة بنفس واحدة ويسلم مع ذلك جواز قتل الجماعة بالواحد.
فإن قالوا: نرى من مذهبكم هذا عجبا لأنكم توجبون قتل الجماعة بواحد وتذهبون إلى أن هذا القتل مستحق لا محالة، فإذا كان قتلا مستحقا كيف يجوز أن يؤخذ بإزائه دية أو ليس قتل الواحد بالواحد لما كان مستحقا لم يكن فيه دية تعود إلى أحد؟
قلنا: هذا القتل وإن كان مستحقا بمعنى أنه يحسن من ولي الدم أن يطالب به فغير ممتنع أن يكون الشرط في حسنه ما ذكرناه من إعطاء الدية وأن يكون المصلحة اقتضت الترتيب الذي ذكرناه، فوجوه المصالح غير مضبوطة ولا محدودة، والزجر والردع عن قتل الجماعة للواحد على سبيل الاشتراك ثابت لأنه لا فرق في زجر الجماعة عن الاشتراك في قتل الواحد بين أن يقتل به ولا دية راجعة على أحد وبين أن يقتل به مع رجوع الدية على الوجه الذي ذكرناه، لأنه من علم أنه متى قتل قتل واستحق القتل مع الانفراد والاشتراك كان ذلك زاجرا له عن القتل.
فإن احتج من نفى قتل الجماعة بالواحد بما يروونه عن جويبر عن الضحاك عن النبي ص أنه قال: لا يقتل اثنان بواحد، وهذا الخبر إذا سلم من كل قدح وتضعيف لا يرجع بمثله عن الأدلة الموجبة للعلم، وقد ضعفه أهل النقل وطعنوا على رواته مع أن خبر الضحاك عن النبي ص مرسل، وقد تأوله قوم على أن المراد به أنه لا يقتل اثنان بواحد إذا كان أحدهما خاطئا.