المسألة المتقدمة لهذه بلا فصل هي الحجة في المسألتين ومزيلة للتعجب منهما.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الاثنين وما زاد عليهما من العدد إذا قتلوا واحدا فإن أولياء الدم مخيرون بين أمور ثلاثة: أحدها أن يقتلوا القاتلين كلهم ويؤدوا فضل ما بين دياتهم ودية المقتول إلى أولياء المقتولين، والأمر الثاني أن يتخيروا واحدا منهم فيقتلوه ويؤدى المستبقون ديته إلى أولياء صاحبهم بحساب أقساطهم من الدية، فإن اختار أولياء المقتول أخذ الدية كانت على القاتلين بحسب عددهم.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك وإن اختلفت أقوالهم، فقال معاذ بن جبل وابن الزبير وداود بن علي: إن الجماعة لا تقتل بواحد ولا الاثنان بواحد.
وقال باقي الفقهاء من أبي حنيفة وأصحابه والشافعي ومن عداهم: إن الجماعة إذا اشتركت في القتل قتلت بالواحد، غير أنهم لم يذهبوا إلى ما ذهبت الإمامية إليه من تحمل دية من زاد على الواحد ودفعها إلى أولياء المقتولين وهذا موضع الانفراد.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ولأن ما ذكرناه أشبه بالعدل لأن الجماعة إنما أتلفت نفسا واحدة فكيف تؤخذ النفوس الكثيرة بالنفس الواحدة، وإذا اتبعنا في قتل الجميع بالواحد الروايات المتظاهرة الواردة بذلك فلا بد فيها مما ذكرته الإمامية من الرجوع بالدية، وكلامنا في هذه المسألة مع من أنكر قتل الجماعة بواحد من داود بن علي ومن وافقه من معاذ بن جبل وابن الزبير ومع باقي الفقهاء الذين ذهبوا إلى قتل الجماعة بواحد من غير أن يلتزم دية لورثة المقتولين.
والذي يدل على الفصل الأول زائدا على إجماع الطائفة قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة، ومعنى هذا أن القاتل إذا علم أنه إن قتل قتل كف عن القتل وكان ذلك أزجر له عنه وكان داعيا إلى حياته وحياة من هم بقتله، فلو أسقطنا القود في حال الاشتراك سقط هذا المعنى المقصود بالآية وكان من أراد قتل غيره من غير أن يقتل به شارك غيره في قتله فسقط القود عنهما.