ولقد صدق الأفاضل الأوائل في قولهم مالك الأشياء هو الأشياء كلها إذ هو علة كونها بأنه أوجدها فقط وعلة شوقها إليه وهو خلاف الأشياء كلها وليس فيه شئ ما أبدعه ولا يشبه شيئا منه فلذلك صار محبوبا معشوقا يشتاقه الصور العقلية العالية والسافلة فالعاشق يحرص على أن يصير إليه ويكون معه انتهى أقول قد برهنا فيما مضى ان البسيط الذات هو كل الأشياء وان مصير كل شئ إليه تعالى ونقل عن أفلاطن أيضا انه كان يحيل وجود حوادث لا أول لها لأنك إذا قلت حادث فقد أثبت الأولية لكل واحد وما ثبت لكل واحد يجب ان يثبت للكل.
وقال أيضا ان صور الأشياء لا بد وأن تكون حادثه واما هيولياتها وعنصرها فأثبت عنصرا قبل وجودها فظن بعض العقلاء انه حكم بالأزلية والقدم.
أقول اما صحه قوله الأول فليس بنائها على قياس حكم الكل (1) المجموعي على حكم كل فرد فرد بل غرضه ان الحدوث لما كان هو المسبوقية بالعدم فإذا كان الكل مسبوقا بالجزء والجزء مسبوقا بالعدم فكان الكل مسبوقا بالعدم بل له مسبوقية بعدم كل جزء من اجزائه فله مسبوقيات بأعدام كثيرة غير محصورة حسب اعدام الاجزاء.
واما ما اشتهر بين الجمهور من أن تعاقب الأشخاص لا إلى حد يوجب التسلسل في المتعاقبات إلى غير النهاية فهذا من سخيف القول لان وقوع مثل هذا التسلسل ليس الا بمجرد الفرض فيستحيل ان يتحقق في الواقع لان المتحقق في الواقع لا يكون الا متناهيا والترتيب بين شيئين أو بين أشياء متفرع على وجودهما أو وجودها معا.