عجزت العقلاء الذين جاؤوا من بعده عن ادراك هذه المثل النورية على وجهها و التصديق بوجودها ما خلا المعلم الأول ربما مال إلى صحه القول بها في بعض كتبه وأنكرها في الأكثر وكأنها يرى في الانكار مصلحة وقد مر في هذا الكتاب ما فيه غنية للمستبصرين.
ومنها الإشارة منه إلى أن هذه الصور الحسيات والأكوان الداثرات راجعه إلى تلك العقليات صائرة إليها متحدة بها كاتصال الأشعة الشمسية بالشمس وكاتصال حواسنا بعقولنا مع أن إحديهما داثرة والأخرى باقيه وكاتصال البدن بالنفس حتى صار وجوده وجودها وفعله فعلها مع أن البدن متحلل بتحليل الحرارة الغريزية وغيرها والنفس ثابته وذلك لاستدلاله بالخوف والرجاء الثابتين لبعض الصور الحسيات على بقائها من جهة اتصالها بالجواهر العقليات الباقيات عند الله فعلم أن لها نشأتين داثرة حسية وباقيه عقلية.
وبالجملة انه قدس الله روحه اخذ الوسط في البرهان على دثورها وزوالها من جهة اثبات الغاية الذاتية لها كما فعلنا سابقا وهو أحد المناهج التي سلكناها في اثبات حدوث الأجسام ومن أوثق البراهين اخذ الحد الأوسط من غاية الشئ.
ومنها ان تلك الصور العقلية هي بعينها صفات الله وعلومه التابعة لوجوده مع أن علوه ومجده بذاته لذاته لا لتلك الصور ولا يلزم من ذلك تعدد القدماء ولا استكماله تعالى بغير ذاته الأحدية الصمدية لأنها ليست موجودات مستقلة مبانيه الوجود عن وجود الحق ولا متميزة الآنية عن الآنية الأولى.
وذلك لأنك قد علمت أنها مطموسة مقهورة تحت جبروته مستهلكة الذوات تحت كبريائه فانية عن ذاته باقيه ببقاء الله.
ولهذا المعنى قال الشيخ اليوناني ليس للمبدع الحق صوره ولا حليه فيه و لا قوة لكنه فوق كل صوره وحليه وقوه لأنه مبدعها وقال وليس المبدع الأول شيئا من الأشياء وهو جميع الأشياء لان الأشياء منه.