فصل (2) في اثبات ان كل متحرك جسما كان أو طبيعة أو نفسا سيؤول إلى فناء بل كل شئ هالك الا وجهه كما نطق به القرآن ووافقه البرهان واعلم أن الباري جل ذكره فاعل كل شئ وقد مر في مباحث العلل و المعلولات واحكامها ان الغاية الذاتية لكل شئ يرجع إلى فاعله بوجوه صحيحه قويه لا حاجه إلى اعادتها هيهنا لحصول الغناء عنها بالرجوع إلى ما هناك لمن كان له قلب متوقد.
وبالجملة انه جل مجده خير محض لا شر فيه أصلا ووجود صرف لا يشوبه عدم وكل ما يكون خيرا محضا ووجودا بحتا يطلبه ويتقرب إليه كل شئ طبعا وإرادة أو يطلب ما يطلبه ويتقرب إلى ما يتقرب إليه طبعا وإرادة.
وهذا امر مركوز في جبله العالم وجزئياته وكلياته ومحسوساته ومعقولاته وأرضياته وسماوياته ومركباته ومبسوطاته كما قال سبحانه ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم وقوله وان من شئ الا يسبح بحمده ومن تصفح اجزاء العالم لم يجد موجودا الا وله توجه غريزي أو حركه جبلية إلى ما هو أعلى منه طلبا للبقاء الأدوم والشرف الأقوم وتخلصا عن الوجود الأنقص المشوب بالعدم والفساد وهكذا.
فما من موجود الا وله عشق وشوق غريزي إلى ما ورائه وهذا المعنى في بعض الأشياء معلوم بالضرورة وفي بعضها مشهود بالحس وفي بعضها مكشوف بالبرهان و في الكل متيقن بالاستقراء والتتبع مع الحدس الصحيح فضلا عن البرهان المشار إليه من أن الوجود خير محض مؤثر لذاته وما ذكر أيضا فيما سلف من أن العالي لا يفعل شيئا لأجل السافل بل لأجل ذاته كالباري أو لأجل ما هو أشرف من ذاته كما سواه.