فصل (10) في الإشارة إلى نحو وجود الأشياء الكائنات قد علمت مما سبق بعض الأسباب القريبة لوجود الأمور الطبيعية وهي المادة الأولى والصورة وانجر البحث في تلازمهما إلى اثبات السبب العقلي الفاعلي للأجسام وستقف فيما يرد عليك من مباحث الحركات الكلية اثبات الغايات العقلية وهما سببان قاصيان لوجود الكاينات التي هي تحت السماويات فلو كان وجود هذه الأشياء على وجه يصح حصولها من ذينك السببين المفارقين فقط من غير حاجه إلى سببين مفارقين لكانت سبيلها ان يبقى ويدوم ولكانت على تمامها اللايق في أول تكونها فكان أولها عين آخرها ولكن لما كان قوامها من مادة وصوره وكانت مع ذلك متضادة الصور متفاسدة الكيفيات الأولية وكل مادة لكونها قوة قابله.
فان من شانها ان يوجد لها هذه الصورة وضدها صار لكل واحد من هذه الأجسام حق واستيهال بصورته وحق واستيهال بمادته فالذي له بحق صورته ان يبقى ويدوم على الوجه الذي له والذي له بحق مادته ان يتغير ويوجد لها وجود مضاد لوجوده الذي كان لها وإذا كان لا يمكن ان يوفى هذان الحقان معا في وقت واحد إذ لا يمكن ان يتصور المادة بصور متضادة في زمان واحد.
بل نقول إن جميع صور الموجودات التي في هذا العالم كانت في العالم العقلي بابداع الواجب تعالى إياها كما ستعلم وقد مرت الإشارة إلى وجود هذه الصور وجودا مفارقا وكان وجود الفاعل الأول يقتضي تكميل المادة بوجودها في هذا العالم لأنه من التوابع المتأخرة على سبيل الفيض وكان ايجادها في المادة على سبيل الابداع مستحيلا إذ هي غير متأتية بل متعصية لوجود صورتين معا فضلا عن تلك الكثرة فقدر بلطيف حكمته حركه دورية وزمانا غير منبت ومادة مستحيلة من صوره إلى صوره ولزم ضرورة ان يوفى هذه إلى مده وذا إلى مده فيوجد هذه ويبقى مده ما