فصل (4) في ذكر اعتقادات الفلاسفة الذين هم غير هؤلاء الأصول الأعلون في حدوث العالم وخرابه وبوار السماوات والأرضين فمنهم زينون الأكبر بن فارس وقد نقلنا في مباحث حركه قوله الدال صريحا على حدوث العالم وهو قوله ان الموجودات باقيه داثرة اما بقاؤها فبتجدد صورها واما دثورها فبدثور الصورة الأولى عند تجدد الأخرى وذكر ان الدثور قد لزم الصورة والهيولي انتهى.
ومن علم كيفية تعلق كل من الهيولى والصورة بالأخرى يعلم صحه القول بتجددهما في كل آن ومن أقواله أيضا الدال على الحدوث قوله ان المبدع الأول كان في علمه صوره ابداع كل جوهر وصوره دثور كل جوهر فان علمه غير متناه و الصور التي فيه من حد الابداع غير متناهية وكذلك صور الدثور غير متناهية فالعوالم يتجدد في كل حين ودهر ثم ذكر وجه التجدد بما نقلناه منه أولا.
أقول المراد من عدم التناهي في قوله فان علمه غير متناه والصور التي في حد الابداع غير متناهية ليس عدم التناهي بالعدد بالفعل لاستحالته بالبراهين و لهذا الفيلسوف برهان مخصوص على هذا المطلب في رسالة نقله بعض أفاضل المتأخرين في تصانيفه وتلك الرسالة موجودة عندنا.
بل المراد اما عدم التناهي بالقوة كما في المتصلات الجوهرية والعرضية الواقعة في الكون حيث لا يقف عند حد كالصور الحسية المتجددة وافرادها المتعاقبة في الوجود شيئا فشيئا على نعت الاتصال.
واما عدم التناهي من جهة الشدة في الوجود العقلي كما للصورة المفارقة بحسب ما يصدر عنه من الافراد والحركات لا إلى حد وعلى أي تقدير ليس المراد منه ما بحسب ترتب الصور العقلية لأنها متناهية البتة طولا وعرضا.