ووصل مقام الملك وقال ما سمعت شيئا قط ألذ من حركاتها ولا رأيت شيئا أبهى من صورها وهيئاتها وقوله في الإلهيات ومبادئ الموجودات وانها هي العدد معروف عند القوم.
ونحن قد وجهنا قوله ان المبادئ هي العدد على معنى صحيح وقال إن شرف كل موجود بغلبه الوحدة وكل ما هو أبعد عن الوحدة فهو انقص وأخس وكل ما هو أقرب منه فهو أشرف وأكمل.
ونقل عنه انه قيل لم قلت بابطال العالم قال لأنه يبلغ العلة التي من اجلها كان فإذا بلغها سكنت حركته.
أقول هذا كلام وجيز في غاية البلوغ والإفادة وكأنه مستفاد من معدن الوحي والنبوة فقد دل على منشأ حدوث العالم وعلة زواله ودثوره وكذا دل بوجازته على وقوع القيمة الكبرى كما ظهر من كلام انباذقلس وكان فيثاغورس يقول إن ما في هذا العالم يشتمل على مقدار يسير من الحس لكونه معلول الطبيعة وما فوقه من العوالم أبهى وأشرف وأحسن من أن يصل الوصف إلى عالم النفس والعقل فيقف فلا يمكن للنطق وصف ما فيها من الشرف والبهاء فليكن حرصكم واجتهادكم بذلك العالم حتى يكون بقائكم بعيدا عن الفساد والدثور وتصيرون إلى عالم هو حسن كله وبهاء كله وسرور كله وعز كله وحق كله ويكون سروركم ولذتكم دائمة غير منقطعة.
أقول كلامه صريح في أن هذا العالم قابل للفساد والزوال غير محتمل للبقاء والدوام وكل ما هو كذلك فابتداؤه من عدم وانتهاؤه إلى عدم.
ثم مما يدل ان فيثاغورس ذهب إلى حدوث العالم انه كان حرينوس و زينون الشاعر متابعين له على رأيه في المبدع والمبدع وانهما قالا الباري تعالى أبدع العقل والنفس دفعه واحده ثم ابتدع جميع ما تحتهما بتوسطهما تدريجا وفي بدو ما أبدعهما لا يموتان ولا يجوز عليهما الفناء والدثور.
أقول معنى كلامهما ان هذا العالم قابل للدثور والفناء لأنه تدريجي الحصول