ومن هؤلاء الأعاظم انكساغورس الملطي رأيه في الوحدانية مثل رأى ثاليس الا ان في كلامه رموزا وتجوزات يتوهم ان فيه تجسيم الاله تعالى الحق عن ذلك علوا كبيرا مثل ما حكى أنه قال إن الحق الأول ساكن غير متحرك والسكون في عرفهم عبارة عن الوجوب الذاتي وربما يطلق عندهم بمعنى عدم التفات العالي إلى السافل إذا كان مفارقا محضا وحركه عبارة عن الفاعلية أي الايجاد التدريجي أو عن الوجود بعد العدم.
وحكى عنه فرفوريوس أنه قال أصل الأشياء جسم واحد موضوع للكل لا نهاية له ومنه يخرج جميع الأجسام والقوى الجسمانية.
أقول لعله أراد بالجسم الأول الموجود الأول وعبر عنه بالجسم لأنه فاعله ومقومه ومصوره ولا يبعد ان يكون عنى به الهيولى الأولى المتقومة ذاتها من الجوهر الامتدادي مطلقا وهي المبدء القابلي للكاينات وفيها القوة الغير المتناهية للانفعال حسبما يكتسبها من الفاعل الأول الغير المتناهي في الفعل.
وحكى عنه ان الأشياء كانت ساكنه ثم إن العقل رتبها ترتيبا على أحسن نظام فوضعها مواضعها من عال ومن سافل ومن متوسط ثم من متحرك ومن ساكن ومن مستقيم الحركة ومن دائرة ومن أفلاك متحركة على الدوران ومن عناصر متحركة على الاستقامة وهي كلها بهذا الترتيب مظهرات لما في الجسم الأول من الموجودات و يحكى عنه ان المرتب هو الطبيعة وربما يقول المرتب هو الباري.
أقول قد علم من الأصول التي أسلفنا ذكرها وجه صحه ما ذكره فتدبر كي تدرك غوره ومعنى قوله ان الأشياء كانت ساكنه انها كانت لها كينونه عقلية قبل هذه الأكوان الطبيعية.
ومن هؤلاء انكسيمانس الملطي المعروف بالحكمة المذكور بالخبر كان يقول إن هذا العالم يدثر ويدخله الفساد ومن اجل انه سفل تلك العوالم وثفلها نسبته إليها نسبه القشر إلى اللب والقشر يرمى.