الفصول.
فصل (1) فيه لامعة عرشية قد لوحنا لك فيما سلف من الكلام ان اداره الأفلاك وتسيير الكواكب و جريان العالم على ما هو به انما الغرض به ان يكون العالم كله خيرا وسعادة وان أصل الابداع والايجاد جود الباري ورحمته وايصال كل شئ إلى كماله ومنتهاه وتحريكه إلى غايته ومناه وابلاغ السافل إلى العالي وتصوير كل مادة بصورتها اللايقة بها و تصيرها أفضل ما يتصور في حقها.
فكما ان بلوغ المتحرك الطبيعي إلى حيزه سكونه وكذا بلوغ الطبيعة إلى القوة النفسانية غايتها فكذا بلوغ النفس إلى درجه العقل سكونها وهو نهاية النفس كما أن الباري نهاية العقل وما دونه فعند ذلك الراحة الدائمة والطمأنينة التامة والخير العظمى.
وهذا هو الغرض الأقصى في بناء العالم وتحريك السماوات وتسيير الكواكب والأجرام وسائر الاستحالات والانقلابات وفي انزال الملائكة والرسل ع من السماء بالكتب والوحي والانباء أعني ان الغرض كله ان يصير العالم كله خيرا فيزول منه الشر والنقص ويعود إلى ما بدء منه فيصير لاحقا آخره بأوله وعاطفا نهاية دوره بمبدئه فيتم الحكمة وتكمل الخلقة ويرتفع عالم الكون والفساد ويبطل الدنيا ويقوم القيمة الكبرى وينمحق الشر وأهله وينقرض الكفر وحزبه ويبطل الباطل و يحق الحق بكلماته فهذا هو الغرض الأقصى والمعرفة العظمى.
فظهر من هذا البيان ان الأجسام وطبايعها وقواها كلها عرضه للدثور والفناء ولاحظ لها من الديمومة والبقاء فاحفظ هذا السر المخزون والعلم المكنون الذي لا يمسه الا المطهرون.