سر آخر في تلاشى عالم الطبيعة ودثوره وفنائه.
ان أصل اللذات الحسية والأنوار والألوان المبتهجة والروائح والطعوم اللذيذة والأصوات المطربة كلها الموجودة في الطبيعة من إفاضة النفس عليها بإذن الله سبحانه فإليها مساقها ومعادها.
ولأجل ذلك ترى نفوسنا ينتزع تلك الصور عن موادها إليها بقواها الحسية ويتصرف فيها كيف يشاء بقوتها المتصرفة والمتخيلة فكل ما بقي في الطبيعة فهي في النفس تنزلت إليها غير أن الطبيعة شوشتها وكدرتها لما مازحتها واختلطت بها إذ كانت دونها في الرتبة (1).
وقد مر بيان ان الوجود الجسماني ممزوج بالاعدام ومختلط لبه بالقشور و صفاه بالكدور فسميت تلك الشوائب المكدرة شرا ووبالا لما كانت معوقة للخيرات وحصلت من ذلك الأشياء المتضادة المخالفة بعضها لبعض من الشرور والنقايص و الآفات والمحن وسائر ما يوجد في هذا العالم الطبيعي وهو بجملته عالم الكون و الفساد وعالم التضاد سواء كان على نعت الاتصال كعالم الأفلاك أو على نعت الانفصال الانفكاكي كعالم الأسطقسات والمركبات وكل كمال ولذة في هذا العالم فأصله في عالم آخر وهو هناك على وجه أتم وأقوى وأشد وأعلى وألذ وأصفى.
وكيف يتوهم متوهم ان اللذات والخيرات موجودة في المحل الناقص ومعدومة في المحل الفاضل وإذا كان الامر كما وصفناه فكل شئ يعود إلى أصله وكل ناقص يتوجه ويرجع إلى كماله وكل سعيد ينقلب إلى أهله مسرورا وكل شقي يتعذب مده بشقائه ويتبدل عليه جلوده نضجا بعد نضج حتى يصعد إلى دار النعيم أو يهوى إلى مقره في الحميم فاما من طغى وآثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى