أن مأخذ العهد القديم العبراني وخصوص التوراة لم يكن إلا نسخة وحيدة مغلوطة جدا قد اتبعوا غلطها فيما تداولوه عنها، ولم يمدوا إليه يد التصحيح إلا في الحواشي وتركوا المتون على سقمها حرصا على حفظ الاسم والصورة التي ظفروا بها بعد التلاشي، وذلك لما هو المعروف من اضطراب أحوالهم، كما شرحناه في المقدمة الخامسة عن كتبهم، وتشهد به أحوالهم المشاهدة من أنهم في أمور ديانتهم بين تفريط فاحش، وإفراط هو أفحش منه.
المورد العاشر: زيادة الفقرات واعتراضها بين الكلام الذي لا ربط له بها ولا مناسبة فيها لمقامه حتى شوهت وجه تاريخه المسوق له، وذلك كالسادسة والسابعة من عاشر التثنية، فإن عاشر التثنية بينما يذكر حديث موسى وكلامه في شأن صعوده إلى جبل سينا بعد واقعة العجل وما أمر الله به من تجديد اللوحين وإفراز بني لاوي لخدمة المسكن، وحمل التابوت إذ قالت بلا ربط ولا مناسبة:
وبني يسرائل ناسعو مبارت بني ياعقان موساره شم وبني إسرائيل ارتحلوا من آبار بني ياعقان إلى موساره هناك مت هارون ويقابر شم ويكهن العازار بنو تحتايو، مشم ناسعو هكد كداه مات هارون وقبر هناك وكهن العازار ابنه بدله من هناك ارتحلوا إلى الجد جداه، ومن هكد كداه يا طباثاه ارض نحلي مايم.
ومن الجد جداه إلى يا طباثاه أرض أنهار ماء.
ومع أن هذه الفقرات في نفسها غلط صرف بملاحظة منازل بني إسرائيل ومراحلهم بمقتضى الثالث والثلاثين من العدد المستقصى لذكر مراحل بني إسرائيل ومنازلهم على التوالي والترتيب من مصر إلى عربات مواب، وسأذكر لك محل الغرض من المنازل على مقتضى المرسوم في الأصل العبراني ففيه 30:
وارتحلوا من حشمناه ونزلوا بمسروت وارتحلوا من مسروت ونزلوا بني ياعقان وارتحلوا من بني ياعقان ونزلوا بحر الجدجاد وارتحلوا من حر الجدجاد ونزلوا بياطباثاه وارتحلوا من ياطباثاه ونزلوا بعبرناه وارتحلوا من عبرناه ونزلوا بعصين جابر وارتحلوا من عصين جابر ونزلوا ببرية صن هي قادش وارتحلوا من قادش ونزلوا بجبل الهور بطرف ارض أدوم وصعد هارون الكاهن إلى جبل الهور على قول الله ومات هناك، وارتحلوا من جبل الهور ونزلوا بصلمنه إلى آخر المنازل