قول المتعرب: إن المتبادر إلى الذهن كونه في الآية سؤال منكر (أي استفهام إنكار) مع اعترافه بأن القرآن لم يرد منه إلا الإثبات، ومع العلم بأن حال رسول الله ومقاله ومقال القرآن في هذا المقام وغيره يناضل ويحامي أشد المحاماة عن هذه الحقيقة التي هي العمدة والأصل من أساسيات دعوته وتعليمه بوجود الصانع الواحد العليم، (وثانيا) قد جاء مثل سوق الآية الكريمة في قول زهير في معلقته:
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة * وذبيان هل أقسمتم كل مقسم وقول الحرث بن حلزة اليشكري في معلقته مفتخرا ومحتجا:
هل علمت أيام ينتهب الناس * غوارا لكل حي عواء وقول زيد الخيل:
سائل فوارس يربوع بشدتنا * أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم ومن الواضح أن الشعراء المذكورين لا يريدون حقيقة الاستفهام، لأنهم عالمون بما بعد (هل)، ولا ينكرونه لأنه يوافق غرضهم، بل لا يريدون منهم إلا الإثبات والاحتجاج به..
فإن كانت (هل) في الشعر بمعنى (قدم) فالشعر شاهد لذلك وإن كانت للتقرير والتسجيل عليهم بالاحتجاج، فإن (هل) في الآية الكريمة كذلك وهو الأصح الذي ذهب إليه المحققون من المفسرين.
ثم اعترض المتعرب (ذ ص 82) على قوله تعالى في سورة البقرة 229 (تلك حدود الله فلا تعتدوها).
فقال: إن المقام يأباه وأنه يلزم أن يعدى (تعتدوا) بعلى لا بنفسه.
فنقول: إن من له أدنى تمييز يعرف من اللغة وموارد الاستعمال أن الاعتداء والتعدي إنما هما بمعنى واحد وكلاهما بمعنى التجاوز، فقولك اعتدى عليه وتعدى عليه بمعنى واحد، والمراد منهما اعتدى الحد، وتعدى الحد عليه،