نعم ذكرت أن في أيام شيث ابتدأ أن يدعى باسم الرب، ولكنها لم تذكر من الداعي؟ ولمن ادعى؟ وبماذا دعى؟ وكيف دعى؟
ثم بعد ذلك اندفقت النبوة بأبهة رسالتها ورياستها الكبرى على موسى فلم تعد التوراة أن ذكرت أنه رد هذه الرسالة بلسان غير لين ولا مؤدب ولم يلتفت إلى حجه الله ووعده بالتأييد، بل كرر الرد بلسان خشن حتى حمي على غضب الله.
ثم تحكم على الله بالغفران لعبدة العجل، أو يمحوه من كتابه، ووصف الله بالإساءة إلى الشعب وإلى عبده، وشك في قدرة الله على إشباع بني إسرائيل من اللحم كالمستهزء بوعد الله، وذكرت المزامير أنه فرط بشفتيه.
هذا كله ولم تسمح هذه الرسالة أن ترشح من بركتها قطرة واحدة على فرعون وقومه بالدعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده، فلم تذكر التوراة أن موسى دعاهم إلى الإيمان والتوحيد ولا بكلمة واحدة، حتى كأن سكوته عن ذلك كان إمضاء لما عليه فرعون وقومه.
وغاية فائدة تلك الرسالة وبركة عاقبتها هو أن يطلق فرعون بني إسرائيل الذين كانت عاقبتهم بعد ما رأوا الآيات أن عبدوا العجل وزنوا ببنات مواب إلى آخر ما ذكرناه في المقدمة الخامسة من ارتداداتهم.
ومن أجل هذا قال المتكلف (يه 2 ج ص 61) ما حاصله أن الله لم يرسل موسى ليدعو فرعون وقومه إلى ديانته ولا ليلفتهم عن شركهم.
ولسان الحال من عقيدة البروتستنت المذكورة في كتاب صلاتهم يقول: ما الحاجة إلى إزعاج فرعون وقومه عن شركهم وظلمهم وفسادهم، وعما قليل (واستغفر الله) سينزل المسيح إلى الجحيم وينجي أرواحهم منها.
ومقتضى التوراة الرائجة أن موسى جاء بكتاب اشتمل على سيرة لم تعنون بالموعظة ولم تتزين بسياق التذكير، بل اشتملت في تاريخها على الفضائح لعائلات الأنبياء والأولياء.
ولم يعلن ذلك الكتاب بعموم الدعوة، وسعة الرحمة، وفيض الهدى