ومع ذلك فإن التوراة لم تذكر أن الله دعى إبراهيم فيما بين النهرين للمهاجرة، وإنما ذكرت أن تارح أخذ ابرام ابنه ولوطا وساراى كنته فخرجوا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك ومات فيها تارح (11، 31 و 32).
ثم قالت بعد ذلك: وقال الرب لإبراهيم: اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فذهب ابرام كما قال له الرب وذهب معه لوط، وكان ابرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران فأخذ ابرام ساراي امرأته ولوطا ابن أخيه وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس التي امتلكا في حاران (تك 12، 1 - 6)، وهي صريحة في أن ما تذكره من دعوة الله لإبراهيم كان في حاران.
وحينئذ فمقتضى العهد الجديد أن التوراة الرائجة لا تخلو من أحد أمرين أما أنها حرفت الواقعة الواحدة. والدعوة التي كانت في أرض الكلدانيين فجعلتها واقعة في حاران وأما أنها أهملت ذكر الدعوة التي وقعت أولا في أرض الكلدانيين مع أنها ألزم بالذكر، وزادت على ذلك بأن مسخت الحقيقة ونسبت الهجرة إلى تصرف تارح، ومع هذا لا يصح للنصراني أن يتشبث بهذه التوراة على إنكار حقيقة إذا لم تفز بذكرها حتى لو فرضنا سلامتها من الخلل من غير هذه الجهة.
والمتعرب أيضا لج في إنكار مجيئ إسماعيل إلى مكة وأنكر على سائل قوله في أول مقالته في بلاد العرب وتهامة أن إسماعيل بن إبراهيم توطنها فقال (قذ) ص 7 ليس هذا بثبت لأن في فلسطين موضعا يسمى عربة أيضا، وبعد، فإن التوراة قد عينت موضع سكنى إسماعيل وهو في غير بلاد العرب (تك 21، 14، و 25، 12 - 18).
ثم قال أيضا (ذ) ص 10 و 11 ما حاصله إن قول العرب إن إسماعيل سكن مكة مرود بأن التوراة التي لا نعلم بوجود هذا الشخص إلا منها تقول:
إنه لما طرد من بيت أبيه سكن في برية فاران وهي ببرية سينا بين مصر وبلاد ثمود، وتقول في موضع آخر: إنه نزل أمام إخوته، وهؤلاء كانوا بأرض كنعان من الشام، ولم يكن أمامهم مما يلي جزيرة العرب سوى بلاد ثمود، وتقول في