أن تذكر بناء إبراهيم وإسماعيل للبيت مع ما فيه من الفضل والرفعة للإسماعيليين، وأن كاتب الأيام الأول لم يدعه الحنق على الإسماعيليين أن ينسبهم إلى أبيهم بل سماهم الهاجريين (1 أي 5، 10 و 19 و 20) وسرى هذا الوباء حتى إلى كاتب رسالة غلاطية فصار يضرب مثله في الرفعة والضعة بابن سارة وابن هاجر (غل 4، 22 - 31).
ويدلك على ذلك أن هذه التوراة ذكرت أولاد إسماعيل فقامت ووقعت في الخبط، فإنها لما تعرضت لذكر الذين اشتروا يوسف من إخوته وباعوه في مصر ذكرت ما ملخصه، وإذا قافلة إسماعيليين ذاهب إلى مصر فقال يهوذا: تعالوا نبيعه للإسماعيليين واجتاز رجال مديانيون تجار فسحبوا يوسف من البئر وباعوه للإسماعيليين فأتوا بيوسف إلى مصر، والمديانيون باعوه في مصر لفوطيفار (تك 37، 25 - 36).
ثم قالت: ويوسف أنزل إلى مصر واشتراه فوطيفار من يد الإسماعيليين فانظر إلى هذا الخبط والجهل بأنساب أولاد إبراهيم، فإن هؤلاء الجماعة نسبتهم هذه التوراة مرة إلى إسماعيل ابن إبراهيم من هاجر، ونسبتهم مرة إلى مديان، وإن كاد المراد به ابن إبراهيم فهو مديان ابن إبراهيم من قطورة ونسبتهم مرة ثالثة إلى مدان، وإن كان ابن إبراهيم فهو مدان ابن إبراهيم من قطورة أيضا شقيق مديان.
وأما ثالثا: فإن أمة العرب بأسرها متسالمين في أجيالهم على نقلهم أن الكعبة الشريفة هي بناء إبراهيم وإسماعيل، وقل ما يتفق الحقيقة أن يتواتر نقلها بمثل هذا التواتر فهو حجة مرغمة للخصم، ولا يمنع من ذلك أن العرب أخيرا وضعوا فيه الأصنام لما تلاشت من بينهم حقيقة الحنيفية ملة إبراهيم فانقلبوا إلى الوثنية والشرك، كما هو الوباء العام الذي لم تسلم منه أمة إلا أمتنا المرحومة ثبتها الله على توحيده وطاعته، فإن بني إسرائيل شعب الله وابنه البكر بقول توراتهم قد جعلوا الأصنام في بيت المقدس مرارا عديدة لما تقلبوا في وثنيتهم بل أخربوا بيت المقدس وانتهبوه.
وأما رابعا: فإن رسول الله (ص) طالما هتف بين العرب بأن الكعبة بناء