الحوادث في أيام نوح وشؤون دعوته ووعظه ونصحه لقومه، ولم يصدر كلام لا من نوح ولا من قومه لا في الدعوة ولا في الجحود، ولا في الوعظ ولا في الاصرار، ولا في النصح ولا في العناد، فلم يوبخهم نوح ولم يضجروا منه ولم يجادلوه ولم يستهزؤا به.
حتى أن من نقل من ذلك شيئا يقول له المتكلف اسكت فإن التوراة لم تذكر من ذلك شيئا مع أنها أطنبت في بيان حزن الله وتأسفه في قلبه.. أين العقول؟ أين الرشد؟ أين الأدب؟.
فهل تراب ذا أدب يقدر أن يرد بالتوراة تاريخا من التواريخ إذا ذكر سيرة طويلة في تاريخ نوح من قومه في دعوته، نعم له في قانون الأدب أن يطالب المؤرخ بمستند ما يذكره.
وأما رده بأن التوراة الرائجة لم تذكر ذلك فإن الأدب والأديب والفهم والفاهم لينكرونه، أي إنكار، ويهتفون مع المؤرخ في قوله وما على الحقائق إذا كان توراتكم الرائجة، وحاشا الحقيقة خرساء في هذا الشأن إلا عن ذكر حزن الله وتأسفه في قلبه.
والمتكلف يعترض على القرآن كلام الله بإهمال توراته للحقائق اللازمة إذا ذكر بعضها حسب مقتضى الحال في مقام الوعظ والتذكير والحجة كما هو شأنه لا سفاسف السيرة وخرافات الاعتقاد وفضائح الأنبياء والأولياء.
نعم للمتكلف أن يطالب بالحجة على كون القرآن كلام الله لكي يتيقن بحقيقة ما يذكره ولكنه هوى به عاصف الهوى عن ذلك في مكان سحيق.
وبما ذكرنا تعرف شططه أيضا في قوله ولم يرد في التوراة إن أراذل الناس اتبعوا نوحا، كما تعرف أن حجته على إنكار ذلك بقول التوراة إن الله أغرقهم بالطوفان إنما هي حجة واهية.
فإنا لو خطر في خيالنا الاعتماد على التوراة الرائجة لقلنا: يجوز أن يكون هؤلاء الصفوة الأفاضل الذين سماهم الطغاة بالأراذل لم يدركوا زمان الطوفان بل ماتوا بآجالهم أو أماتهم اضطهاد الكفر، فإن الدعوة والأيمان والطوفان لم