فليس في العهد القديم العبراني حصة أولها كتاب ارميا، ولا حصة تسمى ارميا، واليهود لا يعرفون ذلك عن سلفهم، وإنجيل متى لم يقل بالأنبياء بل قال (بأرميا النبي القائل) وهذا كالصراحة بإرادته كتابا واحدا ولو خادعنا نفوسنا وسلمنا دعوى المتكلف في اصطلاحات اليهود القديمة، وأعرضنا عن دلالة اللفظ لقلنا أن إنجيل متى لم يجر على هذا الاصطلاح المكذوب، بدليل أنه قال (مت 27، 35) (لكي يتم ما قيل بالنبي) وهو يعني بذلك كتاب المزامير، فإن قسم المزامير لا يسمى عند اليهود بالنبي ولا الأنبياء لا في الاصطلاح المكذوب، ولا في الاصطلاح المعروف بل يسمى (تهليم).
فإن قلت: إن استشهاد إنجيل متى بما ذكرته عن المزامير غير ثابت بل ذهب بعض المفسرين إلى أن الفقرة المشار إليها يجب حذفها لأنها ليست في المتن وإنما هي مأخوذة من إنجيل يوحنا (19، 24) ولذا جعلوها في إنجيل متى بين خطين هلاليين.
قلت - أولا: إن المتكلف يعترف (يه 3 ج ص 274) بأن هذه الفقرة في إنجيل متى ثابتة في النسخ المعتبرة والقراءات الصحيحة.
وثانيا: إنك لم تأت في هذا بشئ إلا أنك جلبت على الإنجيل مصيبة أخرى وهي أن تكون مثل هذه الفقرة الطويلة زائدة فيه من عبث التصرف.
وزعم المتكلف ثانيا: أن كلمة (ارميا) تكتب باللغة اليونانية (ايريو) وكلمة زكريا (زيريو) بتغيير الألف إلى زاي فقط فنشأ هذا الاختلاف.
قلت: إذن فيحق أن يصنع التنوير والاحتفال لاتقان الإنجيل في لغته وكتابته، وللمتكلف في رؤياه النبوية.
وزعم ثالثا: بأن البعض ذهب إلى أن راميا هو الذي تكلم بهذه الكلمات وأن زكريا نقل عنه.
قلت: دع عنك أن سوق الكلام في كتاب زكريا يأبى ذلك ويبطل هذه الدعوى، ولكن كان على هذا البعض إذ تنبأ من هواه بهذا الغيب أن يتم