واختلاف الخاصة والعامة إليهم.
فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في كنف ما خربوا عليك؟
فانظر لنفسك، فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول.
وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا؟
فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: * (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) * [الأعراف (7) الآية (169)].
إنك لست في دار مقام، أنت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه؟.
طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده.
احذر فقد نبئت، وبادر فقد أجلت.
إنك تعامل من لا يجهل، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل.
تجهز فقد دنا منك سفر بعيد، وداو دينك فقد دخله سقم شديد.
ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، ويرد إليك ما عزب من دينك، وذكرت قول الله تعالى في كتابه: * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * [الذاريات (51) الآية (55)].
أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب.
انظر: هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به؟ أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه؟ أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه؟ وعلمت شيئا جهلوه؟.
بل: حظيت بما حل من حالك في صدور العامة، وكلفهم بك، إذ صاروا يقتدون برأيك، ويعملون بأمرك، إن أحللت أحلوا، وإن حرمت حرموا، وليس ذلك عندك، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم في ما لديك ذهاب علمائهم، وغلبة الجهل عليك وعليهم، وحب الرئاسة، وطلب الدنيا منك ومنهم.
أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟
قد ابتليتهم، وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، وفي