إن ابتعاد أهل البصرة عن أهل البيت عليهم السلام إلى حد الجهل بهم ليس بتلك الغرابة، لأن انحرافهم عن أهل البيت قد تجذر فيهم منذ حرب الجمل ووقعته الرهيبة، وقد بقيت آثارها فيهم حتى دهر سحيق، فلما خرج حفص بن غياث القاضي إلى عبادان - وهو موضع رباط - فاجتمع إليه البصريون فقالوا له: لا تحدثنا عن ثلاثة:
أشعث بن عبد الملك، وعمرو بن عبيد، وجعفر بن محمد... (1).
فتلك شنشنة أعرفها من أخزم!
لكن كل الغرابة من أهل مكة المجاورين للمدينة؟ والذين يعرفون الإمام كاملا، كيف اغتروا بأولئك الزهاد، القادمين من بعيد، ولجأوا إليهم يطلبون الغيث منهم، وهذا الإمام زين العابدين، وحجة الزاهدين بينهم يتركونه، بل لا يعرف إلا بالسؤال عنه!؟
لم يتصور ظلم على أهل البيت عليهم السلام أكثر من هذا في مركز الدين والإسلام، مكة، وعند أشرف البقاع وأعظمها (الكعبة الشريفة)!!
وما الذي جعل أهل مكة يتركون الإمام علي بن الحسين عليه السلام وهم يعرفونه حسبا ونسبا، فيلجأون إلى أناس جاءوا من البصرة؟
إنه ليس إلا الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام والجهل بحقهم وفضلهم، إن لم يكن العداء لهم!!
وهكذا تصدى الإمام لهذا الانحراف وأسقط ما في أيدي أولئك العباد المتظاهرين بالزهد، الذين لا يعرف واحدهم زين العابدين، إمام زمانه، وسيد أهل البيت.
فكشف عن زيف دعاواهم، وسوء نياتهم، وضلال سبلهم حيث عندوا عن حق أهل البيت، ولم يعترفوا لهم بالفضل.
وللإمام عليه السلام مواقف أخرى مع آحاد من هؤلاء العباد، مثل موقفه من الحسن البصري، ومن طاوس، وغيرهما (2).
إن الزهد الذي قام الإمام زين العابدين عليه السلام بإحيائه كان مثل زهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم