تعجبه منه، فبكى الأحنف.
فقال معاوية: ما يبكيك؟!
قال: لله در ابن أبي طالب! لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرك.
فقال: وكيف؟
قال: دخلت عليه ليلة عند إفطاره، فقال لي: قم وتعش مع الحسن والحسين. ثم قام إلى الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيرا مطحونا، ثم ختمه.
فقلت: يا أمير المؤمنين، لم أعهدك بخيلا، فكيف ختمت على هذا الشعير؟!
فقال: لم أختمه بخلا، ولكن خفت أن يبسه الحسن والحسين بسمن أو أهالة فقلت: أحرام هو؟
قال:
" لا، ولكن على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل واللباس، ولا يتميزون عليهم بشئ لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا " (1).
الموضوع المهم هنا هو: من ذا الذي يستطيع أن يعيش عيشة الفقراء أو عيشة أفقر الناس وبيده جميع الإمكانيات المتوفرة في البلاد؟!
إن زعم المقتدرين العيش كأفقر الناس شعار جميل جذاب على مستوى الألفاظ، ولكن تطبيقه في غاية الصعوبة. ولا يعمل به إلا من تغلب على نفسه الأمارة وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " أول عدله نفي الهوى عن نفسه " (2). وكان كذلك هذا الإمام العظيم