يومئذ.
روى السيد ابن طاووس أن الإمام (عليه السلام) كان مع أصحابه ذات يوم فسمع ضوضاء، فقال: ما هذا؟
قالوا: هلك معاوية.
ومن الطبيعي أن خبرا كهذا لابد أن يحظى بأهمية فائقة، لأن أكبر عدو للإسلام والإمام والحكومة الإسلامية قد هلك، وتكفي إشاعته وحدها أن تسر كل سامع. بيد أن القوم اندهشوا إذ لم يلمحوا أي سرور على محيا إمامهم فقد نطق بهذه الكلمات المرة بكل هدوء:
" كلا، والذي نفسي بيده لا يموت حتى يجتمع هذا الأمر في يده ".
وكان هذا الكلام الذي أخبر به الإمام عن المستقبل بعد تلك الإشاعة المفرحة كالماء البارد، إذ أخمد جذوة الأمل التي كانت قد اتقدت في قلوب أناس حاربوا إلى جانب إمامهم عدد سنين رجاء النصر، فلم يبق مجال للكلام. والمسألة المهمة الوحيدة التي كانت تدور في خلد من سمع كلامه (عليه السلام) هي أن من يعلم بعقم جهوده في حرب دموية خطرة ويعرف أن النصر سيكون لعدوه كيف يبذل مساعيه كلها في تلك الحرب ويدعو الناس إلى قتال معاوية؟!
ومزق الصمت أحد الحاضرين فسأل الإمام (عليه السلام) عن جدوى القتال إذا كان يعلم أن النصر سيكون لمعاوية وأنه سيمسك بزمام الأمور وقال: فعلى ما تقاتله؟!
وأجابه الإمام (عليه السلام) بكلام رائع يعد ميثاقا خالدا لأتباع الإسلام الأصيل. قال (عليه السلام):
" أبلى عذرا فيما بيني وبين الله عز وجل " (1).
أي: أنا أعلم أن معاوية سيقبض على مقاليد الأمور، ولكن هذا لا يدعوني إلى