واشتدت علة رسول الله فدعت عائشة صهيبا فقالت: إمض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمدا في حال لا يرجى، فهلم إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم في الليل سرا، قال: فأتاهم الخبر فأخذوا بيد صهيب فأدخلوه إلى أسامة فأخبروه الخبر، وقالوا له كيف ينبغي لنا أن نتخلف عن مشاهدة رسول الله؟! واستأذنوه في الدخول فأذن لهم وأمرهم أن لا يعلم بدخولهم أحد، وإن عوفي رسول الله رجعتم إلى عسكركم وإن حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس. فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة، ورسول الله قد ثقل فأفاق بعض الإفاقة فقال: لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم!! فقيل له: وما هو يا رسول الله؟ فقال: إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون عن أمري، ألا إني إلى الله منهم برئ، ويحكم نفذوا جيش أسامة، فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة.
قال: وكان بلال مؤذن رسول الله يؤذن بالصلاة في كل وقت، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب فصلى بالناس، وكان علي بن أبي طالب والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك، فلما أصبح رسول الله من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يدي أسامة، أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فأخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس، فإنها حالة تهنؤك، وحجة لك بعد اليوم!