لذلك من أسباب، أما ما كان من أمر عثمان فقد بينا أسبابه فيما مضى وأما أمر علي فإنا سنجيب عنه الآن ببيان ما كان من خلق علي وما كان من الظروف التي أحاطت به.
كان علي ممتازا بخصال قلما اجتمعت لغيره وهي: الشجاعة - الفقه - الفصاحة.
فأما الشجاعة فقد كان محله منها لا يجهل، وقف المواقف المعهودة وخاض عمرات الموت لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، وأول ما عرف من شجاعته بياته موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وهو يعلم أن قوما يتراصدونه حتى إذا خرج يقتلونه، فلم يكن ذلك مما يضعف قلبه أو يؤثر في نفسه ثم قي بدر وما بعدها من المشاهد كان علما لا يخفى مكانه يبارز الأقران فلا يقفون له ويفرق الجماعات بشدة هجماته، وقد آتاه الله من قوة العضل وثبات الجنان القسط الأوفر، أعمد سيفه مدة أربع وعشرين سنة حتى إذا جاءت خلافته جرده على مخالفيه فعمل به الأفاعيل وكان الناس يهابون منازلته ويخشون مبارزته لما يعلمون من شدة صولته وقوة ضربته.
وأما الفقه فلم يكن مقامه فيه بالمجهول صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ صبوته وأخذ عنه القرآن وكان يكتب له مع ما أوتيه من ذكاء بني عبد مناف ثم بني هاشم ولم يزل معه إلى أن توفي عليه السلام، كل هذا أكسبه قوة في استنباط الأحكام الدينية فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان يستشيرونه في الأحكام ويرجعون إلى رأيه إذا خالفهم في بعض الأحيان، وأكثر من عرف ذلك عنه عمر بن الخطاب.
وأما الفصاحة فيعرف مقداره فيها من خطبه ومكاتباته التي جمع منها السيد المرتضى جملة عظيمة في الكتاب الموسوم بنهج البلاغة وقد وصفه شارحه الأستاذ الشيخ محمد عبده بقوله - فذكر نبذة من أقواله.
ومنهم الفاضل المعاصر عبد الوهاب النجار في " الخلفاء الراشدون " (ص 475 ط