أما الحديث عن زهد علي فيوضحه أنه عاش عمره فقيرا اقتداء بسيد البشر، وكانت زوجته السيدة فاطمة تطحن القمح بيدها حتى كلت هذه اليد، وتحمل القربة حتى أثرت في نحرها، وكنست البيت حتى أغبرت ثيابها، ولما قص علي على الرسول ألم ابنته من الطحن وحمل القربة، وأعمال المنزل، وأنها تحتاج خادما يقيها عناء ما تلاقي، التفت لها الرسول وقال: يا فاطمة اتقى الله وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك، ويروى أنه نزلت في زهد علي ورغبته في العطاء الآية الكريمة: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
أما بطولة علي فكانت مضرب المثل، وقد صارع علي أبطال الشرك وصرعهم، ومن أعتى هؤلاء عمرو بن ود الذي ضربه ضربة قاضية في غزوة الخندق. ومما يدل على بطولته وحبه لله ورسوله ما رواه البخاري من أن الرسول قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسول يفتح الله على يديه. قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ. فتساورت (تطلعت) للرسول رجاء أن أدعى لها، ولكن الرسول دعا علي بن أبي طالب وأعطاه الراية.
وفصاحة علي مضرب المثل، فقد رويت عنه نصائح غراء لولاته عندما آلت له الخلافة، وهي نصائح تحمل البلاغة وقوة البيان من جانب، كما توضح من جانب آخر أنه في مجال الفكر والخلق كان انسانا مثاليا، إنه القائل: أطلق عن الناس عقدة كل حقد، وتغاب عن كل ما لا يصح لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساع، فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين، ولا تدخل في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الإحسان ويخوفك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حرصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله، والصق بأهل الورع والصدق، ثم رضهم (عودهم) على ألا يطروك، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو، وإياك والإعجاب بنفسك، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان يمحق به ما يكون من إحسان المحسنين، وإياك والمن على رعيتك بإحسانك فإن