كان من كتاب الوحي، وبهذا كان من أسبق المسلمين لتلقي كلام الله وتدوينه، والعمل بما جاء به.
ولم تكن الدنيا عند علي ذات بال، وذلك على النمط الذي أتعبه الرسول صلوات الله عليه، ومن هنا بات علي في فراش الرسول ليلة الهجرة وهو يعلم أن قريشا ستقتل من تجده في هذا الفراش، وهي مغامرة لا يطيقها إلا الأبطال، ثم إن الرسول ترك له أن يرد الأمانات إلى أصحابها وهي ثقة واسعة، ولما انتهى علي من هذه المهام لحق بمعلمه في المدينة حتى لا يضيع منه شئ من التلقي والمعرفة، وفي غزوة بدر وقف على مبارزا عملاقا، فضرب بسيفه أول ضربة في الغزوة الأولى، وكذلك في كل الغزوات، وزوجه رسول الله من أحب بناته إليه، من السيدة فاطمة وقال لها الرسول: زوجتك أقدم الناس إسلاما وأكثرهم علما. ولما سأل ابن عباس عن علم علي أجاب: ما أنا إلا قطرة من بحار علمه، وإذا كان الرسول مدينة العلم فعلي بابها، وقد دعا رسول الله لعلي أن يهديه في القضاء بقوله:
اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ولقنه الصواب، ومن هنا كان علي أقضى الناس حتى ضرب به المثل فكانوا يقولون: قضية ولا أبو حسن لها. وحثه الرسول على استعمال العقل، والفكر فقال له: يا علي إذا تقرب الناس إلى الله بأنواع البر فتقرب أنت إليه بحكمة العقل، تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس وعند الله. ويعلق بعض الباحثين على هذا الحديث بقوله: إن رسول الله يذكر أن ثروة علي كانت في علمه وعقله، ويستطيع بها أن يتقرب إلى الله بتعليم الجاهل وحل مشكلات الخلق، وهو بذلك ينال الحظوة عند الله والناس.
وقال في ص 296:
سبق أن تحدثنا عن علي بن أبي طالب وذكرنا أنه نال من العلم والصفاء فيضا اكتسبه من عشرته للرسول من نشأته في بيته، حتى ليمكن القول إن عليا كان أكثر المسلمين تأثرا بالرسول في هذين المجالين.