ويشترون، ويعظهم ويقول: اتقوا الله وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم.
وكان يحتاط لنفسه، ولا ينتفع من مكانته وعلو نسبه في شئ فكان إذا أراد أن يشتري شيئا تحرى بين الباعة رجلا لا يعرفه فاشترى منه، ويكره أن يحابيه البائع إن عرف أنه أمير المؤمنين، وكان شديد الحرص على أن يحقق المساواة بين الناس في قوله وعمله وفي وجهه وفي قسمته، وذلك ما كان يطلبه ويتوقعه من عماله في الأقاليم، فكان شديد المراقبة لهم، وكان أحيانا يرسل الأرصاد والرقباء ليطلعوا على سيرة العمال وآراء الناس فيهم، ثم يطلعوه على ذلك، وكان أمراؤه يهابونه، وقد يلجأ - إذا دعت الحاجة - إلى التقريع والنذير، وفي رسائله إلى العمال ما يشهد بذلك.
ومنهم جماعة من الفضلاء في " علي بن أبي طالب - نظرة عصرية جديدة " (ص 67 ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت) قالوا نقلا عن حسنين كروم:
يبدو علي بالنسبة إلينا كبطل أسطوري، أسبغت عليا الروايات والحكايات والأحداث طابعا تحول بسببه إلى رمز لكل شئ مقدس ونبيل في الحياة الانسانية، ورمزا لكل قيمة إنسانية شريفة يطمح الانسان في أن يراها قيد التحقيق، فعلي رمز للشجاعة والبسالة والتضحية، وهو رمز للأخلاق الكريمة والسامية التي يطمع الناس في التحلي بها، ثم هو رمز لذلك الشوق الأبدي الذي يتفاعل دائما في نفوس الفقراء والمقهورين، نحو حياة أفضل، يثورون لأجلها طيلة التاريخ، لينتزعوها من مستغلبيهم، لقد أصبح علي رمزا للنضال الاجتماعي في التاريخ الإسلامي، ولقد أضفت النهاية الأليمة لعلي، وللآلام والمصاعب التي وضعها في سبيله حتى أولئك الذين كان يريد لهم حياة كريمة، أضفت طابعا مأساويا على سيرته، لتليها تلك الحادثة المروعة التي هزت العالم الإسلامي كله بعنف، أعني استشهاد ابنه الحسين